أي مآل لحقوق الإنسان بعد مرور 76 سنة عن صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟

عبد الحق عندليب الأربعاء 11 ديسمبر 2024 - 20:06 l عدد الزيارات : 92237

عبد الحق عندليب(*)

يحتفل العالم في العاشر دجنبر من كل سنة باليوم العالمي لحقوق الإنسان. ففي مثل هذا اليوم من سنة 1948، أي قبل 76 سنة، صادقت الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. هذه الوثيقة التاريخية التي أعدتها لجنة أممية مكونة من خبراء حقوقيين من مختلف الأجناس والأديان كان على رأسها الأمريكية إليانور روزفيلت زوجة الرئيس الأمريكي روسفيلت.
وتتضمن الوثيقة ثلاثون بندا ساهم في إعدادها ووضع صياغتها الحقوقي الفرنسي روني كاسان مستلهما فيها مبادئ وقيم الثورة الفرنسية وروح الإعلان الكوني الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن، أقول تتضمن الوثيقة مجموعة من المبادئ والقيم الحقوقية ذات الحمولة الأخلاقية والبعد الكوني التي تشكل إلى جانب الميثاق التأسيسي لهيئة الأمم المتحدة والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبرتوكولين الاختياريين الملحقين بهما ما يطلق عليه بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان Charte internationale des droits humains.
وتعد مصادقة هيئة الأمم المتحدة على هذا الإعلان في حد ذاته نقطة ضوء مشرقة وحدثا تاريخيا بارزا بالنظر إلى ما عاشته البشرية من قبل من مآسي إنسانية تمثلت على الخصوص في الحربين العالميتين المدمرتين والحروب المتفرعة عنها والتي خلفت في مجموعها أزيد من 120 مليون قتيل وعشرات الملايين مع المعطوبين والمشردين وخراب عظيم.
ومنذ ذلك الحين ومع توالي السنوات والأحداث أضحت هذه الوثيقة مرجعا أساسيا في صياغة كافة الاتفاقيات الدولية التي تؤطر اليوم حقوق الإنسان على المستوى الدولي والتي تشكل ما يعرف بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. وهي النصوص القانونية التي تتضمن المبادئ والقيم والمعايير الكونية لحماية البشرية من كافة أشكال التمييز، منها على الخصوص التمييز المبني على النوع الاجتماعي أو على أساس الانتماء العرقي أو الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي، وكذلك الحماية من كل أنواع الاستعمار والديكتاتورية والفاشية والاستبداد، ومن كل أشكال الفقر والهشاشة والتهميش واللاعدل.
فبعد 76 سنة من النضال المرير للقوى الحقوقية من أجل ترسيخ المساواة والكرامة الإنسانية والعدل والإنصاف، نتساءل اليوم بكل إلحاحية إلى أي حد استطاعت البشرية أن تحقق ما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من حقوق وما نادى به من قيم وما جسده من مبادئ إنسانية نبيلة؟
بادئ ذي بدء لا يمكن لأي منا أن ينكر قيمة وحجم ما تحقق على الأقل على مستوى التأطير القانوني لحقوق الإنسان، حيث أن هيئة الأمم المتحدة ومختلف المؤسسات التابعة قد أنتجت رزنامة كبيرة من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان في مختلف المجالات المدنية منها والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما أن هذه الهيئة الدولية أصبحت تعج بالعديد من الآليات الدولية للمراقبة والتتبع والنهوض والحماية لحقوق الإنسان، بل إن هذه الهيئة تلزم أخلاقيا كل دول العالم المصادقة على هذه الاتفاقيات بالعمل على تنزيل مضامينها على أرض الواقع في مختلف مجالات حياة الإنسان وملائمتها مع منظوماتها القانونية الوطنية.
إنه لمن واجبنا الأخلاقي اليوم بعد مرور 76 سنة على إقرار الإعلان العالمي لحقوق الانسان أن نتساءل بكل وضوح وملحاحية وعلى ضوء استمرار مظاهر انتهاكات حقوق الإنسان: ما الفائدة من وضع رزنامة قوانين دولية لحقوق الإنسان دون احترامها وتفعيلها على أرض الواقع؟
إن استمرار الحروب الطاحنة التي تودي بحياة عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء، وهو ما يتجسد على أرض الواقع اليوم في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وما نجم عن الحرب العدوانية الإسرائيلية الهمجية التي يشنها الصهاينة ضد سكان غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وذلك أمام العجز التام لدول العالم على توقيف هذه المآسي الإنسانية، بل وأمام تواطؤ دول تعتبر نفسها رائدة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان.
إن ما شهدته غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان من انتهاكات صارخة وجسيمة لحقوق الإنسان قد ارتقت إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بل إلى إبادة جماعية بكل المقاييس المتعارف عليها في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. وهي الحقيقة الصاطعة التي أكدتها المحكمة الجنائية الدولية في حكمها الأخير حيث دعت إلى اعتقال ومحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين.
وإذا أضفنا إلى هذه الصورة القاتمة استمرار تفاقم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في العديد من دول العالم بمن فيها الدول التي تعتبر نفسها مهدأ لحقوق الإنسان أو مدافعة عن هذه الحقوق فإننا حتما سنجد ما يبرر الشعور العام لدى مجموع البشرية بأن ما أصدرته الأمم المتحدة من قوانين دولية حول حقوق الإنسان أضحى اليوم مجرد ذر للرماد في العيون وبالتالي فإن الطريق نحو احترام هذه الحقوق وتنزيلها لازال طويلا وشاقا.
أما على المستوى الوطني، فلا يمكننا أن ننكر ما تحقق من مكاسب حقوقية جعلت من المغرب بلدا يحظى نسبيا بالاحترام على المستوى الدولي. إلا أن استمرار مظاهر الفقر والتهميش والهشاشة بسبب الغلاء والإقصاء الاجتماعي والاقتصادي وغياب التوزيع العادل للثروة يساءل اليوم الحكومة والدولة المغربيتين عن مدى احترامهما لالتزاماتهما الدولية في مجال حقوق الإنسان. كما أن عودة بعض مظاهر التضييق على الحريات الجماعية والفردية وعدم الالتزام الكامل بتفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة على مستوى تسوية ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان حسبما تؤكده تقارير المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية يثير العديد من علامات الاستفهام من طرف هذه المنظمات.
لذا فإننا اليوم أمام وضع حقوقي دولي وإقليمي ووطني غير آمن وغير مؤمن من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتجاوزات الخطيرة التي بلغت حد شرعنة الإبادة الجماعية، مما يقتضي أن نظل يقضين ومتأهبين للمزيد من النضال لتوفير الحماية اللازمة لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا وتقوية الضمانات الضرورية من أجل خلق عالم يضمن المساواة الفعلية و الكرامة الإنسانية والعدل والإنصاف، وهو ما يجعل مهمة المنظمات والجمعيات الحقوقية وكل المدافعين عن حقوق الإنسان مهمة ذات راهنية.
(*) نائب رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الجمعة 17 يناير 2025 - 13:17

قلعة السراغنة: غوانتانامو للمرضى النفسيين

الجمعة 17 يناير 2025 - 13:13

عبد الحميد جماهري عن اتفاق وقف إطلاق النار..”لا حق لنا في إعلان النصر، ولا حق لنا في إعلان الهزيمة..”

الجمعة 17 يناير 2025 - 13:04

المصادقة على مشروع مرسوم يتعلق بالهندسة المعمارية

الجمعة 17 يناير 2025 - 13:00

مباحثات بين المغرب و سلطنة عمان لتطوير مشاريع هيكلية في قطاع الصيد البحري

error: