أرقام قاتمة تكشف عن أزمة ثقة عميقة في المغرب.. وردت في مذكرة المندوبية السامية للتخطيط

محمد رامي الجمعة 17 يناير 2025 - 12:09 l عدد الزيارات : 141703

تبدو الأرقام الواردة في المذكرة الإخبارية الأخيرة للمندوبية السامية للتخطيط أشبه بجرس إنذار مدوٍ. هذه الإحصاءات، التي تكشف عن واقع مرير يعيشه المواطن المغربي، ليست مجرد بيانات جامدة بل هي انعكاس لصورة مجتمعية مشحونة بالقلق واليأس.
صحيح أن مؤشر ثقة الأسر قد سجل تحسنًا طفيفًا ليصل إلى 46.5 نقطة، إلا أن هذا الرقم، رغم أهميته الرمزية، لا يترجم تحسنًا فعليًا في ظروف المعيشة.
فعندما نجد أن 81% من الأسر تصرح بتدهور مستوى المعيشة خلال الاثني عشر شهرًا الماضية، وأن 53.8% منها تتوقع استمرار هذا التدهور، فإننا أمام أزمة تتجاوز الحدود الاقتصادية إلى أبعاد اجتماعية أعمق. أي مستقبل يمكن أن يرتسم أمام مجتمع يفقد فيه المواطن الأمل في تحسن ظروفه؟
الأزمة ليست مجرد شعور عام بالإحباط، بل هي أزمة ملموسة تطال أدق تفاصيل حياة الأسر. البطالة، التي توقع 82.7% من الأسر ارتفاعها في الأشهر المقبلة، ليست مجرد رقم يُدرج في التقارير، بل هي مأساة إنسانية تضرب في العمق استقرار العائلات، وتعمق من التفاوت الاجتماعي، وتزيد من هشاشة النسيج المجتمعي. وعندما تشير 80% من الأسر إلى أن الظروف غير ملائمة لاقتناء السلع المستدامة، فإننا لا نتحدث عن كماليات، بل عن احتياجات أساسية أصبحت بعيدة عن متناول المواطن.
الوضع يصبح أكثر قتامة عند النظر إلى قدرة الأسر على الادخار. 41.2% من الأسر استنزفت مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض لتغطية مصاريفها، في حين تمكنت نسبة هزيلة لا تتجاوز 2.3% فقط من الادخار. هذا يعكس واقعًا لا يتيح مجالًا للتخطيط أو الاستقرار، ويترك الأسر عالقة بين دوامة النفقات المتزايدة والمداخيل المحدودة.
الأدهى أن هذه الأزمة الاقتصادية تترافق مع تدهور في الخدمات الأساسية التي تعتمد عليها الأسر، إذ أفادت 57.9% بتراجع جودة التعليم، و 61.2% بتدهور الخدمات الصحية. هذه المعطيات تضع الحكومة أمام مسؤولية تاريخية، فالاقتصاد يمكن إصلاحه عبر خطط وبرامج، لكن الثقة المفقودة في الخدمات العمومية تحتاج إلى جهود جبارة لإعادة بنائها.
من الواضح أن الوضع لا يحتمل التأجيل. الحكومة مطالبة بتحرك سريع وفعّال يراعي طبيعة الأزمة المتشعبة. ليس المطلوب خططًا مؤجلة أو وعودًا طويلة الأجل، بل إجراءات ملموسة تخفف من وطأة المعاناة اليومية للمواطن. دعم القدرة الشرائية، تحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وتشجيع الاستثمار لخلق فرص العمل، هي أولويات لا تقبل المساومة.
هذه المذكرة ليست مجرد تقرير يضاف إلى أرشيف الأرقام، بل هي شهادة على وضع يحتاج إلى إصلاح عاجل وجذري. المواطن المغربي يستحق أن يُسمع صوته، وأن تترجم مطالبه إلى سياسات تحقق العدالة الاجتماعية وتعيد الأمل الذي بدأ يتلاشى. فهل تكون هذه الأرقام نقطة انطلاق نحو التغيير؟ أم أنها ستظل حبيسة الأوراق الرسمية؟

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الجمعة 7 فبراير 2025 - 22:12

ساوند إنرجي: اكتشافات الغاز في المغرب ليست من الطراز العالمي وسط ارتفاع الاستهلاك

الجمعة 7 فبراير 2025 - 20:32

عبد السلام المساوي يكتب عن انتفاضة الثقافة…

الجمعة 7 فبراير 2025 - 19:45

فيديو: تفاصيل عملية اختطاف مواطنة بسيدي بنور على طريقة عصابات المافيا

الجمعة 7 فبراير 2025 - 19:40

إطلاق قافلة الإدماج المالي للتجار لدعم الرقمنة وتعزيز القدرة التنافسية للقطاع التجاري

error: