عبد الكبير طبيح يستعرض بالتحليل واقعة تسريب مشروع قانون 20-22
محمد اليزناسني
الجمعة 1 مايو 2020 - 10:44 l عدد الزيارات : 20216
عبد الكبير طبيح
عرفت شبكات التواصل الإجتماعي أخيرا تعابير عن غضب قوي وجهته لو زير العدل في علاقة مع تسريب مسودةلقانون 20-22 المتعلقة بتنظيم المواقع الإلكترونية و ما يدخل في حكمها.
واستغل البعض المناسبة للهجوم على حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مع ان وزير العدل احتراما منه لواجب التحفظ الذي خرقه البعض ، رفض الرد على الأسئلة التي وضعها عليه صحافيو جريدة الاتحاد الاشتراكي حول الموضوع. وفق ما نشرته جريد االتحاد الاشتراكي تحت عنوان رسالة الاتحاد في عددها الصادر بتاريخ 29/4/2020 .والذي حددت موقف الحزب ما يروج ضده. مما يضع أكثر من سؤال حول أسباب حشر حزب الاتحاد الاشتراكي فيما يروج اليوم.
في الوقت الذي يهتم كل المغاربة بإشادة العالم بحكمة المغرب في تدبير حالة الطوارئ الصحية وبالإجراءاتالتي اتخدها لمواجهة وباء كوديف 19 ومنها الإشادة التي عبر عنها رئيس حزب
في البرلمان الفرنسي أخيرا،Jean Luc Mélenchon السيد France Insoumise
وفي الوقت ينشغل المواطن البسيط يوميا بالآثار المالية والاجتماعية لتلك الإجراءات أمام عجز واضح لبعض أعضاء الحكومة في المبادرة للتخفيف من تلك الآثار المترتبة عنها.
وفي الوقت الذي لازال نساء ورجال القطاع الصحي من أطباء وممرضين ور جال الإسعاف و كذا نساء ورجال الأمن بكل فئاتهم يرابطون في الخط الأمامي لهذه الحرب غير المسبوقة.
وفي الوقت الذي عاين الجميع الدرس القوي الذي قدمه مواطن من الراشيدية بعد ان توصل بالدعم المالي ب400 درهم فأبى أن لا يغادر الوكالة إلا بعد ان يساهم ب 100 درهم من ذلك المبلغ في الصندوق الذي أسس لمواجهة هذا الوباء.
في هذه الظروف بدل تعزيز وضع التضامن الوطني فضل البعض خلق حالة من التشويش و التشكيك غير مفهومة المقاصد، بالقيام ب تسريب مذكرة للوزير المكلف بحقوق الإنسان. بالموازاة مع تسريب المادة 14 وحدها من مسودة مشروع 20-22 التي تتكلم على معاقبة الدعوة الى مقاطعة البضائع والخدمات.
مع ان ذلك القانون يتكون من 25 مادة.
فهل ذلك التسريب مشروع ام غير مشروع؟
وهل صادق الوزير المكلف بحقوق الإنسان على ذلك القانون ام لا؟
وهل مشروع قانون 20-22 يمس بالحق في التعبير المكفول دستوريا ام لا؟
بخصوص عدم مشروعية تسريب مسودة مشروع القانون، من غير الضروري التذكير بكون من أهم ما أتي به دستور 2011 هو تعريفه للنظام السياسي في المغرب بان اضفى عليه طابع الديموقراطية التشاركية. كما يتبين ذلك من الفصل الأول منه. والتي تعني من جملة ما تعنيه ان تسعى الحكومة الى مشاركة المواطنات والمواطنين في التشريعات ا لتي تريد تطبيقها عليهم.
لذلك فإن من الصائب بل من الواجب ان يقوم الوزراء، كل في مجال اختصاصه وليس بتطاول وزير على اختصاصات وزير آخربنشر مسودات مشاريع القوانين من اجل استمزاج الرأي العام بخصوصها و مشاركته في انتاجها لكي يكون مستعدا للقبول بتطبيقها عليه، وهنا نكون امام تسريب مشروع.
وكمثال على التسريب المشروع يمكن ان نأخذ التداول الذي قام به وزير العدل حول مسودة مشروع التعديالت التي يراد إدخالها على قانون المسطرة المدنية والجنائية من اجل استعمال الآليات الرقمية في تدبير تلك المساطر القضائية، اذ توصل به رسميا كل الفاعلين في المؤسسات القضائية والمؤسسات التمثيلية للمحامين. بل تم تداوله حتى خارج تلك المؤسسات ليكون الإشراك موسعا.
بينما المثال على التسريب غير المشروع نجد نموذج له في تداول مذكرة باسم الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان مرفقة مع رسالة من رئيس الحكومة موجهة الى الأمين العام للحكومة وتتمثل مشروعية ذلك التداول في:
أولا: انه تم تسريب تلك المذكرة في تزامن مع تسريب نص المادة 14 وحدها، وهي المادة التي تجرم وتعاقب على الدعوة لمقاطعة البضائع والمنتوجات والخدمات. مما اثار رد فعل قوي من قبل شبكات التواصل الاجتماعي. وكأن القانون 20-22 يتكون فقط من تلك المادة، بينما تم إخفاء 24 مادة الأخرى التي يتكون منها القانون المذكور.
ثانيا: نشر بعض المواقع تلك المذكرة و وصفها ب ” مرافعة ضد قانون 20-22 أي ان ذلك الموقع أ ارد ان يبلغ رسالة للقارئ مفادها ان الوزير المكلف بحقوق لإنسان غير مو اقف على ذلك القانون لهذا رفع ضده وهذه هي مذكرة مرافعته.
لكن بالرجوع الى تلك المذكرة نجدها تدفع الى ابداء الملاحظات التالية بخصوصها:
1- ان مذكرة الوزير المكلف بحقوق الانسان تنتقد مسودة قانون قدمه وزير آخر في نفسالحكومة،هو وزير العدل باعتباره هو المسؤول على ذلك القانون.
علما ان عدم المشروعية هنا تتجلى في خرق مبدأ التحفظ لأن النقاش بين الوزراء في مجلس الحكومة هو نقاش داخلي مشمول ومحمي بقواعد واعراف التحفظ الجاري بها العمل بها في كل دول العالم وفي كل العصور. ولم تجد لها استثناء، مع الأسف، إلا في تسريب مذكرة الوزير المكلف بحقوق الإنسان في تزامن مع تسريب المادة 14 التي تمنع و تعاقب الدعوى للمقاطعة.
علما ان من مهام الوزير المكلف بحقوق الإنسان هو ضمان حماية حرمة المجالس التي هي حق من حقوق الإنسان.
2- أنه من غير المفهوم ان تخصص تلك المذكرة أكثر من نصف صفحاتها أي 6 صفحات من أصل 11 صفحة, لنقل فصول من الدستور و وفصول من بعض الاتفاقيات الدولية، لم يبق المواطن العادي في حاجة لمن يذكره بها لكونأحدث الجمعيات المحلية تتداول تلك الفصول بكل بساطة.
فهل باقي وزراء الحكومة لا يعلمو ن ما ينص عليه دستور فيبلادهم وهل لا يعلمون بالإتفاقيات التي صادق عليها بلدهم
من الأكيدانهم يعلمون حق العلم بكل بذلك، فما هي إذن الضرورة لملء مذكرة وزير المكلف بحقوق الإنسان ل6 صفحات بما يعلمه الجميع؟
3- أنه بالرجوع الى بيان اجتماع مجلس الحكومة الذي عقد يوم 19/3/2020 يتبين منه أن المشروع صادق عليه جميع الوزراء. وهو الأمر الثابت من الإشارة الى صيغة ” مصادقة الحكومة ” . وهو ما يعني عدم وجدو أي اعتراض على القانون من قبل أي وزير بمن فيهم الوزير المكلف بحقوق الإنسان.
وانما تم الإتفاق على ادخال بعض الملاحظات من قبل لجنة تقنية وأخرى سياسية.
وبالرجوع الى قانون 20-22، حسب الصيغة المسربة و المتداولة في شبكات التواصل الإجتماعي، نجده يتكون من 25 مادة , و ليس من المادة الوحيدة التي تعاقب على الدعوى لمقاطعة البضائع. وهو ما اثار غضب مستعملي شبكات التواصل تلك.
وأنه بالرجوع الى رسالة رئيس الحكومة المبعوثة للأمين العام للحكومة المسربة هي كذلك، أن مذكرة الوزير المكلف بحقوق الإنسان التي تتضمن ما اقترحه من تعديلات بعث بها هذا الأخير لرئيس الحكومة بعد انعقاد مجلس الحكومة وبعد المصادقة على مشروع القانون.
اذ ان المجلس انعقد يوم 19/3/202 والمذكرة المسربة بعث بها الوزير المكلف بحقوق الإنسان الى رئيس الحكومة يوم 27/3/2020 أي 8 أيام بعد انعقاد مجلس الحكومة و المصادقة على مشروع القانون.
و بخصوص ما حملته مذكرة الوزير المكلف بحقوق الإنسان فيما يتعلق بالمادة التي تعاقب على الدعو ة للمقاطعة نجده ضمن فيها ما يلي:
دة يلاحظ (يقول الوزير المكلف بحقوق االنسان) ان المادة 17( بينما في المسو دة المسربة ” المادة تحمل رقم 14 )عاقبت على الدعو ة الى مقاطعة المنتجات و السلع بعقوبة تتراوح ” بين ستة اشهر و ثالثة سنوات الى اخره…
كما اقترح الوزير المكلف بحقوق الإنسان بخصوص تلك المادة ما يلي:
” و في هذا الشأن نقترح )يقول الوزير المكلف بحقوق االنسان( مراجعة العقوبة بتقليصها “
” كما نقترح على مستوى التجريم ان نبقى في حدود إعاقة الممارسة للنشاط الإقتصادي ” تماشيا مع فلسفة القانون رقم 12-104 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة ولا سيما ما ” ورد في المواد 6 و75 و76
لكن ما اقترحه الوزير المكلف بحقوق االنسان يثير الملاحظات التالية:
1- انه لم يعترض على تجريم الدعوة الى مقاطعة المنتجات والبضائع والخدمات
و انما يقترح فقط تقليص العقوبة على الدعوة للمقاطعة، لكنه يوافق على المعاقبة على الدعو ة الى المقاطعة. خلافا للرسالة التي ارادت تبليغها بعض المواقع عندما نشرت تلك المذكرة تحت
عنوان ” مر افعة الرميد ضد قانون 20-22 . ” لكي يترك في ذهن القارئ ان الوزير المكلف بحقوق الانسان كان ضد ذلك القانون و ضد معاقبة الدعوى للمقاطعة.
لأنه اقترح فقط ان تستبدل صيغة ” الدعوة للمقاطعة ” بصيغة ” إعاقة الممارسة للنشاط الاقتصادي ” واعتبر ان هذه الصيغة تتماشى مع قانون 12-104 أي القانون المتعلق بحرية الأسعار،.
لكن اقتراح الوزير المكلف بحقوق الانسان ذاك يطرح اشكالين لهما معا طابعا قانونيا صرفا لا يغيب على أي أحد.
الإشكال الأول:
ان اقتراح الوزير المكلف بحقوق الانسان استعمال صيغة « إعاقة الممارسة للنشاط االقتصادي » يؤدي الى تجريم ممارسة الحق في الإضراب لأن الإضراب هو عمليا الدعوة الى ” وقف النشاط الإقتصادي لمقاولة معينة “. مع ان الإضراب هو حق دستوري. فكيف لم يتم الإنتباه الى هذا الإشكال القانوني
مع ان مهام الوزير المكلف بحقوق الإنسان هي تحصين الحقوق المنصوص عليها في الدستور ومنها الحق في الإضراب.
الإشكال التاني
هو الإحالة الخاطئة على قانون 12-104 بدعوى ان صيغة ” إعاقة الممارسة للنشاط الإقتصادي ” تتماشى مع هذا القانون الجاري به العمل. مدعما هذا الإقتراح بالإشارة الى الفصل 6
و75و76 من ذلك القانون. وهي إشارة تعني بالنسبة لمن يقرأها , وخصوصا انها صادرة من الوزير المكلف بحقوق االنسان , ان القانون 12-104 هو كذلك يجرم إعاقة الممارسة للنشاط الإقتصادي.
لكن بالرجوع الى القانون 12-104 نجد:
1- ان المادة 6 من ذلك القانون تتعلق بعرقلة المنافسة وليس عرقلة الممارسة للنشاط الإقتصادي.
2- ان المادة 75 تعاقب على إعاقة المنافسة، كما ان المادة 76 تعاقب على افتعال رفع او خفض الأسعار. ولا تعاقب ولاتتكلم على الدعوى للمقاطعة. أي ان القانون 12-104 الذي يطالب الوزير المكلف بحقوق االنسان باعتماده , هو قانون لا عالقة له بموضوع تنظيم شبكات التواصل الإجتماعي.
لكن بالرجوع الى مسودة القانون 20-22 المتداولة، و في انتظار صدور المشروع القانون الرسمي، نجد ان ذلك القانون يتكون من 25 مادة وليس مادة واحدة تتعلق بمنع المقاطعة التي تم تسريبها للأغراض المشار اليها أعلاه.
انها تلك المواد تتعلق بما يلي:
-المو اد من 1 الى 4 تتعلق ب التعر يف بالأشخاص المعنيين بالقانو ن.
-المو اد من 5 الى 7 تتعلق بجهة الإشراف والمراقبة على تطبيق ذلك القانون.
-المواد من 8 الى 9 تحث المعنيين بهذا القانون على وضع نظام داخلي خاص بهم لهم له غرض وقائي وحمائي.
-المواد من 10 الى 12 تحدد الجزاءات الإدارية لبعض المخالفات بدون حاجة الى عرضها على المحكمة. بينما المواد التي تتعلق بالمنع والتجريم والعقوبات فهي:
-المادة 13 تعاقب على نشر كيفية تصنيع معدات التدمير المعدة من مساحيق او مواد متفجرة او مواد نووية او بيولوجية او كيماوية.
المادة 14 و هي موضوع االعتراض المجتمعي , تعاقب على الدعوى الى مقاطعة منتوجات او بضائع او خدمات او التحريض على ذلك. سأعود لها فيما بعد.
المادة 15 تتعلق بمعاقبة التحريض على سحب الأموال من البنوك.
المادة 16 تتعلق بمعاقبة الترويج لخبر زائف.
المادة 17 تتعلق بمعاقبة الترويج لخبر زائف من شانه المس بالنظام العام وبأمن الدولة واستقرارها والسير العادي للمؤسسات.
المادة 18 تتعلق بمعاقبة الترويج لخبر زائف قصد التشكيك في جودة وسلامة بعص المتوجات.
المادة 19 تتعلق بمعاقبة الخبر الزائف الذي من شأنه الحاق الضرر بشخص ذاتي او اعتباري.
المادة 20 تتعلق بمعاقبة انتحال الهوية الإلكترونية للغير واستعمال معطيات من شانها التعرف عليه بقصد تهديد طمأنينة المعني بها او طمأنينة الغير
المادة 21 تتعلق بمعاقبة ابتزاز أي شخص عن طريق التهديد بنشر أي تسجيل او صورة او حوار ذو طابع جنسي او غيره.
المادة 22 تتعلق بمعاقبة نشر العنف و الإعتداء على اشخاص.
المادة 23 تتعلق بمعاقبة نشر محتوى عنيف من شانه المس بالسلامة النفسية او الجسدية للقاصرين او ذوي العاهات العقلية.
المادة 24 تتعلق بمعاقبة نشر محتوى اباحي موجه للقاصرين.
المادة 25 تتعلق بمعاقبة نشر محتوى يحرض القاصرين على المشاركة في العاب خطيرة.
وانه يتبين من 24 مادة من القانون 20-22 انها كلها يتعلق بمعاقبة أفعال لها طابع اجرامي خطير لا يختلف أي أحد على ضرورة اصدار قانون يحمي المجتمع وأفراده من تلك الجرائم،.
ولكن الغضب انصب على المادة 14 التي تتكلم على المعاقبة على الدعوة لمقاطعة المنتوجات او البضائع او الخدمات. فهذه المادة أمام رفضها المعلن:
1- يجب معالجتها بما يحمي ويحصن الحق في التعبير المكفول دستوريا. وان ال تكون وسيلة للتراجع على ما حققه المغرب من تقدم في هذا المجال والذي يجب تعزيزه وليس التراجع عليه لأن تقدم الدول في مجال احترام حرية التعبير هو الشرط الضروري لفرض الاحترام الدولي و لربح كل الرهانات في جميع القضايا الكبرى للمغرب و التقدم في مجال صيانة الحقوق التي نص عليها الدستور. وليس اصدار قوانين تمس وتهدم التقدم الذي حققه المغرب في العقدين الأخيرين.
2- يجب معالجتها بما يحمي ويحصن حق المواطن في التشكي من أي منتوج يمس السلامة الصحية للمواطن.
إن الإرادة في تنظيم مجال معين لم يكن سابقا خاضعا إلى تنظيم، ومنها مجال شبكات التواصل الاجتماعي، يجب ان تستحضر ان تقنين حق سبق للمواطن ان مارسه بدون أي رقابة او تنظيم، يستوجب على الدولة ان تحدث بالموازاة مع ذلك، آليات تشجيع المعنين به للدخول في المنظومة القانونية الجديدة التي ستنظم ذلك القطاع وذلك:
1- بجعل قطاع شبكات التواصل الاجتماعي مجالا لخلق مناصب للشغل لاستيعابالمهندسين والمهنين وأصحاب الكفاءات في مجال المعلوميات الذي هو مجال يعرف مواهب لا
تنضب.
2- بتحمل الدولة عبئ التشجيع على خلق مقاولات ذاتية عن طريق الدعم في التكوين في تسيير المقاولة.
3- بتوفير الدعم ذو الطبيعة المالية لهذا النوع من المقاوالت المتمثل في ادماج العاملين في كل المنظومات القانونية التي تتمتع بامتيازات ضريبية سواء منها الإعفاءات او التخفيضات وغير ها من التحمالت المالية.
وذلك مقابل الإلتزامات الجديدة التي سيدخلها القانون على طريقة اشتغال شبكات التواصل الاجتماعي من اجل الإسراع بإدماج هذا القطاع الواعد في النسيج الاقتصادي المغربي بالنظر لما يختزنه من طاقات شابة و خالقة وموهوبة في مجال المعلوميات، حتى لا يقع ضحية الإستغلال من أنواع مختلفة ضدا على المصلحة العامة لكل المواطنين و المواطنات.
تعليقات
0