كشفت المندوبية السامية للتخطيط عن تطورات الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك خلال شهر أكتوبر 2024 مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، لتظهر تفاوتات واضحة بين القطاعات وزيادات تثقل كاهل المواطنين، وسط اختلالات هيكلية في الاقتصاد الوطني.
أبرز ما يلفت الانتباه هو الارتفاع الكبير في أسعار السكن والماء والكهرباء والمحروقات الأخرى بنسبة 3.6%، وهو ما يضع ضغطًا إضافيًا على الأسر المغربية، خصوصًا في ظل استمرار ضعف السياسات الكفيلة باحتواء تكاليف هذه الخدمات الأساسية.
هذا الارتفاع يعكس تحديات متراكمة في ضبط سوق المحروقات والطاقة التي تمثل مكونًا حيويًا في نفقات المعيشة اليومية.
ورغم أن المواد الغذائية سجلت زيادة طفيفة بنسبة 0.5%، إلا أن المواد غير الغذائية شهدت زيادات أكبر، خاصة في قطاعات مثل التعليم الذي ارتفعت أسعاره بنسبة 2.3%، والمطاعم والفنادق التي سجلت زيادة ملحوظة بلغت 3.6%. هذه الزيادات تؤكد تفاقم العبء المالي على الأسر المغربية، حيث باتت الخدمات الأساسية والحيوية أكثر تكلفة، دون أن يقابل ذلك تحسن واضح في جودتها أو سهولة الوصول إليها.
في المقابل، سجل قطاع النقل انخفاضًا بنسبة 3.6%، مما قد يبدو إيجابيًا، لكنه يثير تساؤلات حول مدى انعكاس هذا التراجع على تخفيف الأعباء المالية للمواطنين. الانخفاض يبدو محدود التأثير مقارنة بارتفاع تكاليف أخرى، ما يعكس غياب رؤية متكاملة لخلق توازن في التأثيرات التضخمية بين القطاعات المختلفة.
وعلى الرغم من تسجيل انخفاض في أسعار قطاع الصحة بنسبة 1.4%، إلا أن هذا التراجع لا يشير بالضرورة إلى تحسن في القدرة على الحصول على خدمات صحية أفضل. فالواقع يبرز استمرار معاناة النظام الصحي من تحديات كبرى، قد تجعل هذا الانخفاض رقميًا فقط دون أن يكون له تأثير ملموس على حياة المواطنين.
الاختلالات تتعمق مع التناقض الواضح بين القطاعات، حيث تراجعت أسعار الترفيه والثقافة بنسبة 0.2%، في حين قفزت أسعار المطاعم والفنادق بنسبة 3.6%. هذا التباين يعكس ضغوطًا تضخمية أكبر في قطاع السياحة والخدمات المرتبطة بها نتيجة ارتفاع تكاليف التشغيل أو ضعف تنظيم السوق.
في النهاية، تعكس هذه المؤشرات استمرار اختلالات هيكلية في الاقتصاد المغربي، حيث تظهر تفاوتات كبيرة بين القطاعات وتأثيرات تضخمية متفاوتة تمس بشكل مباشر القدرة الشرائية للأسر. ارتفاع تكاليف المعيشة الأساسية والخدمات الاجتماعية يبرز الحاجة الملحة إلى إصلاحات شاملة تهدف إلى ضبط الأسعار وتحقيق التوازن بين القطاعات، مع تعزيز سياسات تحمي الفئات الأكثر هشاشة وتضمن استدامة النمو الاقتصادي.
تعليقات
0