المؤتمرات الدولية للبيئة دعامة أساسية لحماية المستهلك

31٬692

جواد رسام(*)

 

اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 شتنبر 2015 قرارها بشأن تحويل العالم، وقد توج ذلك بخطة التنمية المستدامة  لسنة 2030 ودفع بأهداف التنمية المستدامة  السبعة عشر باعتبارها خطة العمل لإنهاء الفقر، وحماية المحيط الحيوي للكوكب، وضمان الرخاء للجميع.

وبعده بثلاثة أشهر ، اتخذت الجمعية العامة قرارها أيضا المتعلق بحماية المستهلك حيث نقحت مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية لحماية المستهلك التي عادة ما يشار إليها اختصارا ب “المبادئ التوجيهية” . ثم عهدت الجمعية إلى مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) بولاية تعزيز المبادئ التوجيهية عن طريق تشجيع الدول الأعضاء على توفير حماية للمستهلك في سياق الإمداد بالسلع والخدمات العامة والخاصة. ومن خلال التوعية في هذا المجال، يؤمل أن تنشأ مستويات أعلى من التعاون بين الأعمال التجارية والمجتمع المدني.

فمنظومة حماية المستهلك هي مجموعة من القوانين و التنظيمات الرامية لضمان حقوق المستهلك ، و ضمان التجارة العادلة ، و المنافسة و المعلومات الدقيقة في السوق .

تلك القوانين صُممت لمنع الأعمال التي تتعلق بالغش أو الممارسات غير العادلة للحصول على مزايا أكثر من المنافسين الآخرين ، كما توفر حماية إضافية للفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع.

وعلى اعتبار المستهلك في كثير من البلدان النامية يعاني من تفاوت من حيث الأحوال الاقتصادية و المستويات التعليمية و القدرة على المساومة ، فقد عملت الأمم المتحدة على وضع مبادئ توجيهية لحماية المستهلك رغبة منها في تمتيع المستهلك بالحق في الحصول على منتجات غير خطرة عليه و على بيئته ، و التشجيع على التنمية الاقتصادية و الاجتماعية العادلة و المنصفة والقادرة على الاستمرار وحماية البيئة ، هذه المبادئ التي تهدف بالأساس لمساعدة البلدان على تحقيق أو مواصلة توفير الحماية الكافية لسكانها بوصفهم مستهلكين ، والدفع بأنماط إنتاج و توزيع تلبي احتياجات المستهلك و رغباتهم ،  و التشجيع علي التزام المشتغلين بإنتاج السلع والخدمات وتوزيعها على المستهلكين بالمستويات الرفيعة من السلوك الأخلاقي ‏,‏ مساعدة البلدان على الحد من الممارسات التجارية المسيئة التي تتبعها أي من المؤسسات العاملة علي الصعيدين الوطني والدولي والتي تؤثر على المستهلكين تأثيرا ضارا‏,‏ وتشجيع الاستهلاك المستدام .

إن أهمية ظاهرة حماية المستهلك و مدى احترام المعايير البيئية في العملية الاستهلاكية ، تفرض علينا ضرورة البحث في المؤتمرات البيئية.

 

فعلى اعتبار كون التدهور البيئي هو نتيجة حتمية للتقدم الصناعي والتكنولوجي ، والذي أدى إلى تزايد عدد المناديـن بـضرورة المحافظة على البيئة وحمايتها من التدهور. وأصبحت البيئة وما يـصيبها مـن تـدهور موضـوعاً للدراسات والبحوث العلمية والشغل الشاغل للباحثين والعلماء في مختلف المجالات بهدف الحد مـن هذا التدهور، أو على الأقل التقليل منه وكضرورة لذلك ، فقد حظي موضوع حماية البيئـة بالاهتمـام أساساً من قبل النظم القانونية المختلفة على المستوى الوطني والدولي. وبالتالي شكلت مؤتمرات الأمم المتحدة للبيئة البشرية نقطة تحول أساسية وكانت البداية لعولمة التفكير البيئي وبداية الوعي الجماعي بمنهجيـة حمايـة البيئـة و صيانتها ، و هو ما سوف نتطرق إليه كنموذج وبإيجاز في أربع محطات هامة وهي  مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة و التنمية والذي يطلق عليه إسم ” قمة الأرض ” بريو دي جانيرو سنة 1992 ، و كذا محطة مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة المنعقد كذلك بريو دي جانيرو سنة 2012  ، و مؤتمر البيئة بباريس سنة 2015 و مؤتمر البيئة بمراكش لسنة 2016 .

 

مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة و التنمية بريوديجانيرو 1992 (قمة الأرض)

شكل مؤتمر قمة الأرض في ريو دي جانيرو التميز بالمقارنة مع باقي مؤتمرات الأمم المتحدة من حيث حجمه ومجال اهتمامه. فبعد مضي عشرون سنة عن أول مؤتمر عالمي للبيئة ، تسعى الأمم المتحدة إلى مساعدة الحكومات على إعادة التفكير في التنمية الاقتصادية، وإيجاد السبل الكفيلة لوقف تدمير الموارد الطبيعية وتلوث الكوكب. فلقد اتجه مئات الآلاف من المهتمين في شتى المجالات إلى ريو دي جانيرو لاتخاذ القرارات الصعبة اللازمة لضمان كوكب صحي للأجيال القادمة ،  و من بين أهمها محاولة تغيير وتعديل سلوكيات الإنسان وتصرفاته ،  هذا المؤتمر التي نقلته ما يقارب 10 ألاف إعلامي وسمعه الملايين في أنحاء العالم ، فهي رسالة تعبر عن مدى تعقيد المشاكل التي تواجه البشرية ، فالفقر، و الاستهلاك المفرط تسبب و يتسبب في الضرر المؤكد للبيئة ، فلقد سلمت الحكومات بالحاجة إلى إعادة توجيه الخطط والسياسات الوطنية والدولية لضمان أن جميع القرارات الاقتصادية راعت الآثار البيئية. وللرسالة نتائج مثمرة، الأمر الذي جعل المسألة الإيكولوجية مسؤولية الحكومات والأنشطة التجارية.

لقد اصدر تقرير مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة و التنمية المنعقد في الفترة ما بين 3 و 14 يونيو 1992 في مجلده الاول الذي يشمل بعض القرارات التي لها ارتباط كبير بموضوع التنمية و الاستهلاك و حماية البيئة ، نجد مرفقين ،و هما إعلان ريو بشأن البيئة و التنمية و جدول أعمال القرن 21، و بعد تحليل دقيق لمقتضيات ديباجة إعلان ريو بشأن البيئة و التنمية ، نجد أنه يركز في مبادئه على الربط بين حماية البيئة و أهمية التنمية ، و أن البشر يقع في صميم الاهتمامات المتعلقة بالتنمية المستدامة ، و يحق لهم أن يحيون حياة صحية و منتجة في وئام و تعايش مع الطبيعة، و على الدول وفقا لسياساتها البيئية و الإنمائية الحق في استغلال مواردها ، و هي المسؤولة عن ضمان حماية البيئة من كل الأضرار الناتجة عن الأنشطة المشرفة عليها داخل نطاق سيادتها  ، أو تلك التي تسببت فيها بمناطق خارج حدود ولايتها الوطنية ، يعني انه على الدول و بشكل تضامني فيما بينها أن تضع حماية البيئة و محاربة الفقر جزءا لا يتجزأ في عملية التنمية ، و لا يمكن النظر إليها بمعزل عنها ، مع منح الأولوية للبلدان النامية و احتياجاتها الخاصة ، لاسيما البلدان الأقل نموا و الأضعف بيئيا  وفقا لمبدأ المسؤولية المشتركة و لكن متباينة. 

 هذا المبدأ الذي يعمل على توضيح حقائق التنمية في العالم ، حيث يعمل على أساس الإنصاف لبناء ازدواجية الأنظمة القانونية.

 فانه يقوم على أن الدول التي ساهمت في تراكم   ثاني اوكسيد الكربون في الجو منذ 1750 بدأت تخفض من انبعاثاتها الملوثة، كما تفرض على الدول التي لها إمكانيات أن تعمل على الوقاية من العواقب الوخيمة للتغيرات المناخية وأن تساعد الدول الفقيرة على مواجهة تحديات الاحتباس الحراري.

و لمواجهة هذه الظاهرة يلزم رأسمال مهم وتقنيات حديثة ومناسبة وكفاءات لصدها ، مع وضع إشكالية الفقر ضمن أولويات كل الدول.

و لقد  ظهر تصريح ريو للبيئة و التنمية الاقتصادية الذي جاء لدعم الدول المتقدمة واحتياجاتها  ، و تحدث عن تنوع المسؤوليات المشتركة والمتباينة لدول الجنوب والشمال.

و أخيرا نجد أن المبدأ الثاني ينص على انه يجب على كل دولة استغلال مواردها حسب سياساتها البيئية وتنميتها.

فالمعاهدة حددت مسؤولية الدول الصناعية ، التي عليها ان تأخذ من بين أولوياتها التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و كبح الفقر، و خفض انبعاثاتها ومساعدة الدول السائرة في طريق النمو في تنفيذ التزاماتها . ” يجب محاربة التغيرات المناخية وذلك لضمان حاجيات الأجيال الحاضرة دون الإضرار بحاجيات الأجيال القادمة. وكذلك تضيف انه بضبط الانبعاث الملوثة سنصل إلى مردود طاقي جيد ” .

و لقد أكدت الاتفاقية كذلك انطلاقا من مبادئ الديباجة انه على الدول من اجل تحقيق التنمية المستدامة و الارتقاء بنوعية الحياة لجميع الشعوب ، لابد لها من الحد من أنماط الإنتاج و الاستهلاك غير المستدامة ، و إزالتها و تشجيع السياسات الديمغرافية الملائمة ، عن طريق التفاهم العلمي و تبادل الخبرات و المعارف العلمية و التكنولوجية ، و تعزيزها و تطويرها و تكييفها و نشرها و نقلها ، و على كل الدول كذلك إشراك المواطنين في اتخاذ القرار و تكوينهم و توعيتهم و تمكينهم من المعلومة ضمانا لهم في المشاركة في حماية البيئة عوض بقائهم كمستهلكين فقط ، و ذلك عن طريق سن تشريعات فعالة في الموضوع تهدف إلى التقليص من تكاليف اقتصادية و اجتماعية ضخمة يصعب التغلب عليها فيما بعد و التعايش معها .

هذه القوانين من شانها تحديد المسؤولية و التعويض فيما يتعلق بضحايا التلوث و غيره من الأضرار البيئية مع  منع تحويل و نقل كل المنتجات الاستهلاكية التي تسبب تدهورا شديدا للبيئة ، أو تلك الضارة بصحة الإنسان إلى دول أخرى ، هذه الحماية تأخذ قوتها من مبدأ الحماية التي جاءت بها هذه الاتفاقية  .

و يمكن القول انه حيثما توجد تهديدات بحدوث ضرر جسيم أو غير قابل للإصلاح، ينبغي أن تأخذ السياسات والتدابير في الاعتبار مختلف السياقات الاجتماعية و الاقتصادية ، وأن تكون شـاملة، وأن تغطـي جميع مصادر ومصارف وخزانات الغازات الدفيئة ذات الصلة، والتكيف، وأن تشمل جميع القطاعات الاقتصادية.

و يمكن تنفيذ جهود تناول تغير المناخ بالتعاون بين الأطراف المهتمة وهذا ما نصت عليه المعاهدة.

و بالتالي للأطراف حق تعزيز التنمية المستدامة وعليها هذا الواجب . وينبغي أن تكون السياسات والتدابير، المـتخذة لحماية النظام المناخي من التغير الناجم عن نشاط بشري، ملائمة للظروف المحددة لكل طرف، كما ينبغي لها أن تتكامل مع برامج التنمية الوطنية، مع مراعاة أن التنمية الاقتصادية ضرورية لاتخاذ تدابير لتناول تغير المناخ.

ومن التحديات التي جاءت مع بروتوكول كيوطو هو تحديد الآليات التي من شانها أن تسمح للدول بالوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالخفض من الانبعاثات.

أما ديباجة جدول أعمال القرن 21 فلقد أبرزت لنا المشاكل التي يعيشها العالم ، و أعطتنا توجيهات للتحديات التي ستواجه القرن القادم  ، و هو ما يتطلب توافقا عالميا بين الآراء، و إلزاما سياسيا على الرفع من مستوى التعاون في مجال التسمية و البيئة .

و نجاح تنفيذه هو مسؤولية الحكومات وفق استراتيجيات و خطط و سياسات و عمليات وطنية لتحقيق الهدف ، و يعني التعاون الدولي هو الدعامة لاستكمال هذه الجهود الوطنية بمساندة منظومة الأمم المتحدة فضلا على المنظمات الدولية حكومية كانت أو غيرها .

فجدول أعمال القرن 21 هو برنامج دينامي ، يتولى تنفيذه مجموعة من الأطراف العاملة حسب اختلاف الأحوال و القدرات و الأولويات للبلدان و المناطق ، مع احترام تام و كامل للمبادئ الواردة في إعلان ريو بشان البيئة و التنمية ، هذا التعاون الدولي هدفه التعجيل بالتنمية المستدامة في البلدان النامية و السياسات المحلية المرتبطة بها لتأخذ مجرى  السياسات الاقتصادية المحلية السليمة في البلدان المتقدمة .

و عليه فانه ينبغي للاقتصاد الدولي أن يوفر مناخا دوليا لتحقيق أهداف البيئة و التنمية عن طريق تحرير التجارة و جعلها و البيئة تتبادلان الدعم ، مع توفير موارد مالية كافية للبلدان النامية ، و معالجة الديون الدولية ، مع تشجيع سياسات الاقتصاد الكلي المساعدة للبيئة و التنمية .

و لقد أكد التقرير على ضرورة تطبيق الحكومات لإجراءات و دراسات مستفيضة من اجل تحسين فهم العلاقة بين التجارة والبيئة ، مع فتح نقاش و حوار بين دوائر التجارة ، و الدوائر الإنمائية و البيئية ، و اتخاذ كل التدابير اللازمة أثناء القيام بالعملية التجارية سواء في مرحلة الإنتاج أو التوزيع أو الاستهلاك من اجل تحقيق الأهداف البيئية ، مع التأكد من أن السياسات البيئية توفر الإطار القانوني و المؤسسي الملائم للاستجابة للاحتياجات الجديدة لحماية البيئة التي تنجم عن التغييرات في التخصص في الإنتاج و الاستهلاك .

و بالإضافة إلى الدول المتقدمة، فلقد أشارت الاتفاقية على ضرورة التمييز بينها بين الدول التي تحولت إلى اقتصاد السوق، والتي كانت تحت سيطرة الاتحاد السوفياتي سابقا كرواتيا واستونيا والفيدرالية الروسية وهنغاريا ولتوانيا وبولونيا و جمهورية التشيك، ورومانيا، سلوفاكيا، وأوكرانيا، حيث أنها إن كانت قادرة على تحمل الالتزام بشأن خفض انبعاثاتها الغازية ، فإنها سوف لن تستفيد من المساعدات المالية الموجهة لدعم الدول النامية.

هذه الدول انخرطت من خلال اعتماد سياسات وطنية وإجراءات جادة من شأنها مواجهة التغيرات المناخية، وذلك للحد من  انبعاثاتها للغازات المتسببة في الاحتباس الحراري، و التي ظهرت فيما بعد انطلاقا من هذه السياسات و التدابير بأن الدول المتقدمة تأخذ المبادرة من  أجل تعديل الاتجاهات الطويلة الأجل بخصوص الانبعاثات البشرية المصدر بما يتفق مع هدف الاتفاقية، والعمل على استقرار تركيز غاز الاحتباس الحراري في الجو في مستوى يحول دون حدوث اختلالات تؤثر سلبا في النظام المناخي. 

 وفي الحقيقة، هذا ليس بانخراط قانوني ، وإنما ثمن مغلف بالمفرقعات القانونية ، وبالتالي فإنه لن نتفاجأ إذا كانت بعض الدول ككندا لجأت إلى إجراءات طوعية من أجل تغيير السلوكيات، ولن نتفاجأ بكون بعض الدول سوف تزيد من انبعاثاتها الغازية خلال 1992-2000.

ومع ذلك، فإنه بالنسبة لدول الملحق الأول، فإنه يمكن تسجيل انخفاضا في نسبة الانبعاثات الغازية وصلت إلى %10,6 بين 1992-2012، و%16,2 إذا أخذنا بعين الاعتبار امتصاص ثاني أكسيد الكربون بواسطة آبار الكربون (الأرض والغابات). وهناك عوامل أخرى غير مرتبطة بالاتفاقية الإطارية ساهمت في انخفاض الانبعاثات الغازية، كانهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط اقتصاديات النظام الاشتراكي، وبعد ذلك الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2008. ولقد لاحظ خبراء الهيئة المعنية بالتغيرات المناخية هذا الانخفاض حتى في غياب الاتفاقية الإطارية. ولا يجب أن ننسى بأن الانبعاثات العالمية لغازات الاحتباس الحراري ارتفعت بنسبة %24 خلال نفس الفترة، وذلك راجع إلى النمو الاقتصادي في الدول النامية.

مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ريو 2012

إذا كان مؤتمر قمة الأرض قد اثر في جميع مؤتمرات الأمم المتحدة اللاحقة، والتي بحثت في العلاقة بين حقوق الإنسان والسكان والتنمية الاجتماعية والمرأة والمستوطنات البشرية ، والحاجة إلى التنمية المستدامة بيئيا ، و المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي عقد في فيينا عام 1993، على سبيل المثال، أكدت على حق الشعوب في بيئة سليمة والحق في التنمية، والمطالب المثيرة للجدل التي قد اجتمع مع مقاومة من بعض الدول الأعضاء حتى ريو.

فمؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة والتنمية قاد  التحول من نموذج اقتصاديّ موجه بشكل كليّ تقريباً نحو تعزيز النمو الاقتصادي ، إلى نموذج ينطلق من مبادئ تنمية مستدامة وتتمتع فيه حماية البيئة وإدارة عقلانية للموارد الطبيعية بأهمية حاسمة”  ، فلقد أصبح من المفترض أن تتمحور أجندة المؤتمر المنعقد في ريو ديجانيرو في 20-22 يونيو 2012، أي بعد مرور عشرين عاماً على المؤتمر الأول، حول إيجاد طرق نحو “الاقتصاد الأخضر في سياق تنمية مستدامة ومكافحة الفقر”. محاولة جديدة لإصلاح الإطار المؤسساتي من أجل تنمية مستدامة، يتمّ القيام بها من قبل الأمم المتحدة.

إن شعار “المستقبل الذي نريده”،  اجمع  رؤساء الدول والحكومات في يونيو 2012 في مؤتمر ريو+20 في البرازيل،  ولقد تصدر موضوع الاقتصاد الأخضر جدول أعمال المؤتمر، حيث تم وضع “خارطة طريق لاقتصاد أخضر”، خاصة وأن قمة ريو+20 ليست بحاجة إلى أن تكون نسخة عن مؤتمرات دولية سابقة، بل انطلاقة حقيقية نحو عالم اجتماعي وعادل بحد أدنى من الكربون وأقصى من موارد فعّالة

 فعلى الرغم من كون الأهمية الكبرى التي حضي بها مؤتمر ريو الأول لسنة 1992، لم يرقى اليها المؤتمر الثاني لريو لسنة 2012 ، نظرا لعملية التحضير المتعثرة و فقدانها للحشد الكبير للرأي العام و المجتمع المدني ، صحيح أنهما (الرأي العام والمجتمع المدني) يتابعان العملية، إلا أنهما يرون (وبحق)، أنه في سياق مؤتمر للأمم المتحدة وفي ضوء فوارق سياسية واقتصادية كبيرة في النفوذ والمصالح، لا يمكن إجراء جدل بنّاء حول نموذج اقتصادي واجتماعي جديد، وذلك كرد على الأزمات المتعددة (الأزمة المالية والاقتصادية والتغيّر المناخي والأمن الغذائي والفقر).وعندما تلتقي وفود حكومية من مختلف أنحاء العالم في مؤتمر تحت رعاية الأمم المتحدة وتعود مجدداً لتداول وضع كوكب الأرض من ناحية بيئية واجتماعية وإعطاء “التنمية المستدامة” دفعة جديدة، أو، على الأقل، تعزيز الهيكلية المؤسساتية للبنية البيئية المتشظية للأمم المتحدة، فإن ذلك، من حيث المبدأ، جدير بالترحيب.

فالنقد الموجه إلى النمو والدعوة إلى نموذج اقتصادي جديد والرغبة في نماذج جديدة للغنى والثروة وأساليب حياة مختلفة، كلها مواضيع لا تقتصر على الأركان الاجتماعية أو الدوائر الأكاديمية فقط. وبالوصل مع تحليلات ومفاهيم سنوات السبعينيات والثمانينيات حول حدود النمو والبحث عن سبل الخروج من فخه، تحرّكت هناك عملية بحث جديدة نحو بدائل اقتصادية واجتماعية لرأسمالية السوق (المالية- النقدية) القائمة. اقتراحات جديدة وقديمة كما الغنى دونما نمو، أو كيف يمكن أن يكون اقتصاد ما بعد النمو- كل ذلك عاد وبلهفة إلى بساط البحث والنقاش. ولم يعد الخطاب العام يقتصر على الشمال الصناعي فقط. فالنقاشات المجتمعية حول المفهوم،  والحركات الاجتماعية والمنشورات النقدية للسياسة الاقتصادية، والتي كان يتمّ خوض نقاش مفتوح فيها في بعض الدول الصاعدة، تظهر تزايد النقد الأساسي لنموذج الإنتاج والاستهلاك، وازدهار البحث عن بدائل.

وفي خضم هذا الخطاب الأساسي، انطلق جدل حول الاقتصاد الأخضر، جدل يتمّ خوضه من قبل تكتلات محلية و دولية، على غرار الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وبعض منظمات الأمم المتحدة، وذلك كرد على التغير المناخي وشح بعض الموارد و(جزئياً) أزمة الغذاء، كمساهمات مقدمة إلى ريو+ 20.

لقد لعب برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة دوراً رئيساً في صياغة مفهوم الاقتصاد الأخضر. ومع “صفقة الأخضر الجديدة الكونية” (وهي مجموعة مقترحات تهدف للتعاطي مع التغيّر المناخي والأزمات الاقتصادية- المترجم)، طالب برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة في العام 2008 ببرامج استثمارية لإنعاش الاقتصاد العالمي وتوجيهه مسبقاً نحو استثمارات خضراء، وبالتالي تعبيد الطريق أمام الانتقال إلى عالم ذي كربون أقل. كما لعب البرنامج ومنذ سنوات دوراً ريادياً في الجدل حول إدخال وسائط/ سندات مرجعها السوق في حال حماية نظام البيئة، وسواء تعلق الأمر بحماية الغابات، أو تعدد الأنواع، يسعى البرنامج إلى حماية الأنظمة البيئية، ليس فقط لكونه يقدّر خدماته للإنسانية وللناس المستفيدين منها مباشرة ، كما يسعى إلى منح خدمات أنظمة البيئة قيمة سوقية والاستثمار فيها بشكل مستدام: “اقتصاد أخضر يدرك قيمة رأس المال الطبيعي ويستثمر فيه”.

يؤكد برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة بشكل أساسيّ على الطاقة الكامنة في شطب الإعانات المالية الضارة بيئياً واجتماعياً من أجل استغلال أكثر نجاعة للموارد وإطلاق وسائل مالية من أجل تنمية بيئية- اجتماعية. فوحدها الإعانات المالية الخاصة بالوقود المتحجر يُقدّر حجمها على مستوى العالم بحوالي 600 مليار دولار أمريكي وفي مجال صيد الأسماك 27 مليار دولار- يبقى جزء كبير منها مسؤولاً عن الإفراط في الصيد.

يُعرّف البرنامج الاقتصاد الأخضر كونه اقتصاد يقود إلى رخاء وعدالة اجتماعية أكبر ويقلص في الوقت عينه المخاطر البيئية وشح الموارد، هذا إن لم يكن يساعد على إدارتها بشكل مستدام. كما يتمّ صراحة اعتبار فصل استهلاك المواد الخام والطاقة عن النمو الاقتصادي هدفاً رئيسيا .

فرغم كون  مفهوم الاقتصاد الأخضر لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة آنذاك، من الناحية المفاهيمية، محدوداً جداً. فانه يمكن اعتباره برنامجا استثماريا شاملا و مقترحاته مفيدة للظروف السياسية اللحظية،  سيجعل إجمالي الدخل الوطني للدول أكثر اخضراراً وأقل كربوناً وأكثر تفعيلاً للموارد الطبيعية، وهو، مع كل هذه النقائص، شيء مرحب به. ويبقى ذلك مشجعاً وبعيد المدى بالنسبة للبرنامج، وهو برنامج وليس منظمة خاصة تابعة للأمم المتحدة. ولكنه “المنظمة” الوحيدة العاملة في إطار الأمم المتحدة والتي قدّمت مشروعاً مدروساً يسترشد بالأولويات الاقتصادية وربما شكل خطوطاً عريضة مناسبة- شريطة توفر النية السياسية لدى الدول الأعضاء- لمباحثات قمة ريو+20 .

مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة باريس 2015   (كوب 21)

بعد المفاوضات التي بدأت سنة 1995 ، والرامية إلى  تعزيز الاستجابة العالمية لتغير المناخ ، و بعد اعتماد بروتوكول كيوتو سنة 1997 الهادف إلي خفض الانبعاثات ، و بعد  فترة الالتزام الأولي الممتدة من سنة 2008 إلى 2012، و الفترة الثانية الممتدة من سنة 2013 إلى 2020 ، جاء اتفاق باريس سنة 2015 أو ما يطلق عليه بمؤتمر الأطراف بباريس” كوب 21″ الذي ضم 192دولة عضو ، و التي وقعت عليه 175 دولة حاضرة في 22 ابريل 2016  ، هذا الاتفاق الذي يعتبر مناسبا ودائما ومتوازنا وملزما قانونيا ، و يعتبر أول اتفاق عالمي بشأن المناخ  حسب لوران فابيوس  ، فهو الحدث الأكبر علي الإطلاق  الذي  يهدف إلى احتواء الاحتباس الحراري العالمي لأقل من 2 درجات وسيسعى لحده في 1.5 درجة ، مع الالتزام على الاتفاق بوضع آلية مراجعة للأهداف المعلنة و التعهدات الوطنية التي تبقى اختيارية كل  خمس سنوات، ووضع قيمة 100 مليار دولار أمريكي سنويا كحد أدنى للمساعدات المناخية الموجهة للدول النامية  لتمويل انتقالها إلى الطاقات النظيفة، لتتلاءم مع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تعتبر هي أولى ضحاياها ، وستجري أول مراجعة إجبارية في 2025 ويتعين أن تشهد المراجعات التالية ” إحراز تقدم ” ، مع العلم أن الدول المتقدمة ترفض أن تدفع وحدها المساعدة، وتطالب دولا مثل الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة والدول النفطية الغنية أن تساهم بدورها في المساهمة ، كونها من الدول الملوثة أيضا ، و أنها لا تعتبر دولا فقيرا لالتحاقها بالدول المصنعة و النفطية .

و يعمل ميثاق باريس للتغير المناخي بشكل أساسي على مواجهة مشكلة انبعاثات الغازات الدفيئة، و و البحث عن سبل إيجاد الحلول للتكيف معها، والتخفيف من حدة ضررها علي البيئة، والنظر بجدية للآثار الواضحة للتغيرات المناخية . و بالتالي سيمكن الميثاق من ملائمة أنظمة المياه مع التقلبات المناخية ، و حماية الإنسان من خطر يصل إلي النقص في الغذاء والماء، و السماح بالمضي قدمًا في إيجاد وخلق سبل للتنمية الاقتصادية على النحو المستدام .

أكد أغلبية ممثلي الوفود في المؤتمر ، و خاصة ممثلي القطاع الخاص على أنهم واعون بالدور الذي ينبغي الاضطلاع  به  لتقديم الحلول في مجال التصدي للتغيرات المناخية ، عبر الانخراط في مبادرات إرادية لتقليص انبعاث الكربون ، مستعرضين مختلف الأعمال الرائدة التي تم انجازها من اجل المساهمة في رفع التحدي المناخي ، كإحداث لجن وطنية للمناخ والبيئة والاقتصاد الأخضر ، ومراكز للإنتاج النظيف ، و وضع آليات من اجل حث المقاولات وخاصة الصغرى والمتوسطة والقطاع الخاص بشكل عام على الانخراط أكثر في هذه المبادرات ، و  تعبئتهم لإنجاح هذه الجهود ، و ضمان تكوينهم من اجل إدماج مفهوم اقتصاد الطاقة  و الطاقات المتجددة،  و خصوصا في مجال النقل العمومي و كذا النقل السياحي، تشجيع رؤساء المقاولات الوطنية و المؤسسات العمومية على استعمال السيارات الكهربائية قصد الالتحاق بركب التنقل المستدام ، مع ضمان الحفاظ على التنافسية خصوصا لدى القطاع الخاص ، داعية إلى نهج آليات جديدة للتمويل على شكل صناديق خضراء من اجل بلوغ هذه الأهداف ، و التصدي للتغيرات المناخية ، والحفاظ على جودة الهواء الذي يعتبر قضية الجميع ، و ذلك بتشجيع كل الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين و السياسيين على الانخراط أكثر من اجل تطوير إمكانيات استعمال هذا الحل في التنقل بصفر انبعاث لثاني اوكسيد الكربون .

وفي إطار المؤتمر العالمي للمناخ ( كوب 21) ، بالموازاة معه ، أطلقت العديد من البلدان من بينها المغرب الائتلاف العالمي من أجل البناء والتشييد ، والذي يهدف إلى الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (غازات الدفيئة) بحلول عام 2050 . 

وتم الإعلان عن هذه المبادرة غير المسبوقة، التي ستمكن من تكيف أفضل للمدن والبنية التحتية مع المناخ والتي تجمع كذلك المدن والمنظمات غير الحكومية، ومقولات وشبكات مهنية، بمناسبة انعقاد لقاء ” أجندة ليما- باريس: التركيز على السكن ” الذي أطلقه ممثلي الحكومة والمنظمات الشريكة .

و لقد تم التأكيد خلال هذا الاجتماع على تأثير قطاع الإسكان والبناء على البيئة والاستهلاك الطاقي ، مشيرا إلى أن 70 في المائة من سكان العالم يعيشون في المدن، مما يؤدي إلى استهلاك قوي للأراضي وتوسع كبير للغاية للمجال الحضري .

 و لقد وجه الخطاب الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر أطراف اتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية  بباريس، دعوة صريحة إلى المجتمع الدولي للانتقال من سياسة النوايا الحسنة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة ، ودعا فيه المجتمع الدولي إلى ضرورة الانتقال من مؤتمرات “الوعود الفارغة” إلى تلك التي تنعقد تحت شعار الأمل والعمل، معتبرا أن (كوب 21)، و(كوب 22)، التي ستحتضنها مدينة مراكش سنة 2016، يعتبران موعدا للفرصة الأخيرة من أجل حماية كوكب الأرض ، و لابد من الوصل الى أجوبة أكثر إنصافا في مواجهة التغيرات المناخية، التي أصبحت تشكل تهديدا عالميا لجميع الدول، خاصة الفقيرة.

و دعى الخطاب الملكي إلى ضرورة انخراط المجتمع المدني من أجل تغيير رؤية الدول الأكثر تقدما، التي يجب عليها تحمل مسؤوليتها التاريخية، ووضع حد لعدم الاكتراث واللامبالاة، موضحا أنه مهما كان مستوى التنمية الاقتصادية للبلد، فإن الشريحة الأكثر فقرا وهشاشة هي التي ستدفع الثمن.

و دعى كذلك إلى ضرورة نقل التكنولوجيا الخضراء وتعبئة التمويلات الضرورية للقارة الإفريقية و مساعدتها على استغلال و استهلاك مواردها الطبيعية بطريقة مستدامة ، والاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة والوفيرة (خصوصا الشمسية و الريحية ) لتحقيق التنمية المستدامة والمندمجة التي تتطلع إليها ، بغاية تعزيز الطاقات النظيفة من أجل الحد في نفس الوقت من فواتير الطاقة .

 فمؤتمر باريس جاء لدعم قضايا إنصاف البلدان النامية في تحقيق التحول الطاقي ، مع الرفع من مستوى معيشة سكانها ، كون المشروع هو إنساني محض ، يتم تدارسه مع إكراهات يدركها الجميع ، و يولد أملا بالوعي الجماعي بأن اختلالات الأرض تهدد البشرية جمعاء ”  ، و اصبح لزاما تتبع عدة تدابير من أجل التحكم في الطلب من بينها إدخال المصابيح ذات الاستهلاك المنخفض، وأسعار الذروة القصوى، وتصميم عرض صناعي شامل ومتكامل لتعزيز الطاقة المتجددة لدى المستثمرين والمشغلين و المستهلكين .

مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة بمراكش 2016   (كوب 22)

عقدت الدورة الثانية والعشرون  لمؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (COP22)  بمراكش ما بين07 و 18 نونبر2016، والذي كان لقاءا للأجرأة و مواصلة ما بدأه مؤتمر الأطراف في دورته 21 في باريس ، الذي أحرز تقدما كبيرا، و كان محطة لتحديد أربع أولويات  المتفق عليها في اتفاق باريس وترجمتها إلى أرض الواقع، وتتعلق بتفعيل المساهمات الوطنية وتعبئة الموارد المالية وتعزيز التأقلم المناخي وتطوير التكنولوجيا.

    فرغم كون  مؤتمر مراكش ، برأي العديد من الخبراء في مجال البيئة والتغيرات المناخية، قد شكل فرصة لتجديد المبادرات في مجال التكيف والتخفيض من انعكاسات التغيرات المناخية، ومنعطفا حاسما لتطوير آليات عملية في إطار مخطط  باريس ،  فقد واكبه منتدى دولي عالمي شارك فيه حاملو المشاريع الخلاقة في مجال التنمية النظيفة، والباحثون على الاستثمار في مجالات الطاقات النظيفة والزراعات البديلة، والمؤسسات المانحة الداعمة للمشاريع الرامية للتقليص من الفوارق المجالية، ومحاربة الفقر والقضاء على الهشاشة.  كما شكل محطة تاريخية لتعبئة الأطراف المتدخلة من أجل “الموافقة والمصادقة والانخراط في اتفاق باريس”، مع حث أكبر عدد ممكن من البلدان قصد مراجعة طموحاتها المتضمنة في مساهماتها الوطنية من أجل مكافحة التغيرات المناخية وخفض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في أفق سنة 2020. مع وضع آليات التمويل شكلت أحد العناصر الأساسية من أجل تبني أفضل التدابير العملية لاتفاق باريس. 

فالمؤتمر كان فرصة على مدى أسبوعين لالتقاء وفود قادمة من العالم بأسره ، ممثلون وأعضاء هيئة الأمم المتحدة ووفود رسمية وفاعلون غير حكوميون وجمعيات المجتمع المدني والمقاولات ونقابات وخبراء وفلاحون ومؤسسات عمومية وجماعات محلية. 

وتهدف الاتفاقية الإطار والأدوات القانونية المرتبطة بها أساسا لتحقيق الاستقرار في تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي في مستوى يحول دون “تدخل بشري خطير في نظام المناخ” ، و يقصد بمصطلح “بشري” الآثار الناجمة عن أفعال الإنسان من الإنتاج إلى الاستهلاك . 

و تنص الاتفاقية الإطار المتعلقة بالتغيرات المناخية على أنه ينبغي للأطراف حماية النظام المناخي لصالح الأجيال الحالية والقادمة على أساس الإنصاف ووفقا لمسؤولياتها المشتركة ، وبالتالي  فعلى الدول المتقدمة أن تكون في طليعة المعركة ضد تغيرات المناخ والآثار السلبية و النوبات الطبيعة القاسية كالفيضانات والجفاف والتصحر و التي تتعرض لها  بعض البلدان بشكل خاص ، كالبلدان ذات الارتفاع المنخفض مقارنة مع مستوى سطح البحر، والدول الجزرية الصغيرة والبلدان ذات المناطق الساحلية المنخفضة، أو  التي بها مناطق قاحلة أو شبه قاحلة، والبلدان النامية ذات النظم البيئية الجبلية الهشة. 

 و يمكن اعتبار مؤتمر الأطراف كوب 22 في مراكش بمثابة  مؤتمر الأجرأة ، حيث يهدف إلى التشجيع  على الالتزام باقتصاد منخفض للكربون ، و يحث البلدان الشروع في وضع مخططاتها الوطنية للتكيف مع الوضع ، كالتشجيع على المشاركة، بطريقة فعالة في القطاعات ذات الصلة بالاقتصاد الأخضر وأيضا الاقتصاد الأزرق، للاستفادة من فرص النمو وفرص العمل المرتبطة بها، للحفاظ على استدامة نماذج التنمية لديها، وتحسين فرص الوصول إلى التكنولوجيات الخضراء وشروط استخدامها وتطويرها في كل البلدان سواء للحد من انبعاثات الكربون من الأنشطة القائمة أو في إطار الأنشطة الجديدة ، و ذلك بإعادة صنع نموذج جديد للبشرية مبني على التضامن العالمي  ، تراعى فيه الأصول العرقية .

و لقد احتضنت القمة (كوب 22) ، انطلاقا من المفاوضات حول أجندة باريس في مراكش، والتي تميزت بأولويات، منها آلية رفع القدرات ، وضرورة إبداء مسلسل تأمين مخرجات للحكامة والشفافية، ومخرجات التكيف .

و يبقى نجاح تنفيذ مخرجات المؤتمر، وما اتفق عليه الزعماء في “إعلان مراكش”، مرهونا بالالتزام من الانتقال من مرحلة الأقوال إلى الأفعال، و ترجمة التزامات باريس إلى مبادرات ملموسة لا سيما بعد أن تم وضع اتفاق باريس حيز التنفيذ، وصياغة آلية لجمع 100 مليار دولار من الدول الصناعية، لدعم الدول النامية في مكافحة التغير المناخي.

                                                                 

(*) باحث في القانون و السياسات البيئية

error: