تسبب عطب تقني أصاب بوابة «المقاول الذاتي»، ولايزال مستمرا منذ أزيد من أسبوعين، في تعطيل مصالح عشرات الآلاف من المقاولات الصغيرة التي تعتمد على هذه المنصة في معاملاتها المالية والتجارية اليومية، ما يدفع العديد من المتابعين إلى التساؤل حول ما إذا كان الأمر مجرد إهمال من طرف وزارة الادماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى أم أن الحكومة لم تعد مهتمة أصلا بهذه الشريحة من المقاولين الذين أصبح عددهم يتجاوز 375 ألف مقاول، حوالي 80 ألفا منهم يصرحون بأنشطتهم بشكل منتظم..
ولم يعد الأمر يتوقف عند البوابة التي ما عادت تفتح، ربما بسبب عطب تقني، وإنما أيضا بمعالجة ملفات المقاولين الذاتيين التي أصبحت تستغرق عدة أشهر بدل 15 يوما في الأقصى المحددة من طرف الحكومة. ولا تزال العديدة من الملفات عالقة لدى مديرية الضرائب، معيقة بذلك العديد من المقاولين الشباب الراغبين في ممارسات أنشطة مدرة للدخل، بالإضافة إلى العديد من المقاولين من القطاع غير المهيكل الراغبين في المرور إلى دائرة الضوء، ومن خلالهم إعاقة الاقتصاد وحرمانه من نقاط نمو مهما كانت صغيرة.
وجدير بالذكر أن الوضعية القانونية للمقاول الذاتي تتضمن تسهيلات إدارية كبيرة في إطلاق المقاولة الفردية وامتياز ضريبي حقيقي. وتهدف هذه الوضعية إلى تحقيق هدفين طموحين، أولهما فتح الفرصة أمام الشباب، خصوصا المتوفرين على كفاءات أو حرف تمكنهم من ولوج الأسواق وإنتاج القيمة والدخيل عبر التشغيل الذاتي. والطموح هو أن توسع أعمال هؤلاء المقاولين الذاتيين سيصل بهم إلى مستوى يتطلب تشغيل أشخاص آخرين، وعندها سيتحولون إلى مقاولات وفق الصيغ التقليدية.
والهدف الثاني هو إيجاد سبيل لتطبيع نشاط مقاولي القطاع المهيكل ومساعدتهم على الخروج من الظل وإدماجهم في الاقتصاد المهيكل.
غير أن الصيغة التي اعتمدتها الحكومة للمقاول الذاتي لا تخدم كثيرا هذه الأهداف. فبداية وضعت الحكومة سقوفا جد منخفضة من حيث رقم المعاملات السنوي، 20 ألف درهم بالنسبة للخدمات، و50 ألف درهم بالنسبة للتجارة والحرف. إضافة إلى انخفاض هذه الأسقف الذي لا يسمح بإنضاج مشروع المقاولة، فإن فيه حيف كبير بالنسبة للأنشطة الخدماتية، علما بأن القيمة المضافة للأنشطة الخدماتية وطاقتها التشغيلية والكفاءات التي تتطلبها كبيرة جدا مقارنة مع قطاع التجارة، الذي يتلخص في شراء سلعة وبيعها.
الحكومة الحالية دقت مسمارا جبائيا في نعش المقاول الذاتي عبر فرض اقتطاع 30% من المنبع عندما يتجاوز رقم المعاملات 80 ألف درهم مع نفس الزبون. الشيء الذي يسحب البساط بشكل مجحف أمام طموح النضج والتحول إلى مقاولة تقليدية (المسؤولية المحدودة أو بالمساهمة) أمام المقاولين الذاتيين، فيتقهقرون وتتقهقر أوضاعهم الاجتماعية بدل التقدم إلى الأمام. وكل ذلك ينعكس على آفاق النمو التنمية وآفاق الاقتصاد الوطني. كيف للمقاول الذاتي الذي كافح للحصول على أول زبون مستقر مهم بالنسبة لمقاولته والذي يتوخى فيه أن يشكل الأرضية التي يرتكز عليها في نموه أن يتحمل معول الجبايات الجديدة التي تحش ركبتيه.
وعلى الرغم من أن وزارة الادماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى تقع على عاتقها مهمة تعزيز تنشيط وتأطير مجتمع المقاولين الذاتيين، حيث سبق أن التزمت بعقد لقاءات دورية على صعيد الوزارة مع جميع الأطراف المتدخلة في النظام: بريد المغرب، والمديرية العامة للضرائب، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والوكالة الوطنية للنهوض بالمقاولة الصغرى والمتوسطة وكذا الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، وذلك بهدف الوقوف على المعطيات وآليات وسبل تطوير هذا النظام، قصد تمكين المقاول الذاتي من الاستفادة من جميع الامتيازات التي يخولها البرنامج الحكومي، إلا أن هذه الالتزامات ظلت حتى الآن مادة للتسويق الإعلامي دون أن يكون لها أي تأثير فعلي على أرض الواقع.