إدريس لشكر : في أزمة ” كورونا “وفي كارثة الزلزال ، أثبتت المملكة المغربية أنها دولة قوية

115٬744

   عبد السلام المساوي

1_ مقدمة لا بد منها
إن الحاجة إلى تأسيس الدولة والتدبير السياسي للدولة فرضته ضرورة إيجاد حلول للمشاكل التي تطرحها الطبيعة أمام الانسان . هذا الأخير مطالب ببناء الدولة للحفاظ على إنسانيته ، لأنه بفعل الثقافة ( القوانين والدساتير والمؤسسات ) ، يستطيع أن يعوض ما لم تمنحه الطبيعة إياه ؛ فالسلوك والعلاقات الإنسانية هي نتائج اختبارات سياسية واعية .
ان الدولة مؤسسة سياسية أساسية للفرد والمجتمع ، فغاية وجودها هو الحفاظ على إنسانية الإنسان وتهذيب قدراته وامكاناته الطبيعية ، وتنظيم حياته الاجتماعية . فضلا عن الحفاظ على وحدة المجتمع وتوازنه بما يخدم مصالحها العامة . والدولة القادرة على الإستمرارية هي الدولة الشرعية التي تحاول إقرار الحق، والمبنية على تعاقد اجتماعي ، ينظم الممارسة السياسية…
تعيد الأزمات الكبرى الدولة إلى عصرها الذهبي ، إلى تلك الحالة التي تشكل حدا فاصلا بين حالة الطبيعة وحالة الثقافة، وفي حالات الأوبئة، حيث يسود منطق الغريزة، يجد المواطنون حصن نظامهم وانتظامهم المنيع، إنهم يعودون للحالات الأولى للتعاقد، تلك النظريات التيأرساها جون جاك روسو وغيره من فلاسفة الأنوار ، وحيث ذلك المنطق الحاسم ، أما الدولة أو الخراب …
ف” هوبس ” يرى أن الغاية من إنشاء الدولة كمجتمع سياسي هي ضمان السلم المدني ومنع الحرب الدائمة بين الأفراد، فالدولة ما هي إلا نتاج لميثاق تعاقدي بين البشر ، انتقلوا بموجبه من حالة الطبيعة ( حرب الكل ضد الكل ) إلى حال المدنية، وذلك من خلال تنازل كل فرد بمحض إرادته عن جزء من حريته الخاصة أو سلطته أو قوته لصالح رجل واحد أو مجلس واحد ، يخضع له كل أفراد المجتمع ، تضمن الأمن والسلم الاجتماعيين …ويرى اسبينوزا بأن الغاية من تأسيس الدولة هي تحقيق الحرية وتمكين كل مواطن من الحفاظ على حقه الطبيعي في الوجود باعتباره وجودا حرا ، دون إلحاق الضرر بالغير ، وبالتالي فهذه الحرية التي يشير إليها ” باروخ ” هي حرية أخلاقية، لا تتعارض مع العقل، بحيث تبتعد عن إلحاق الضرر بالآخرين ، كما تحرر الإنسان من العنف والخوف …
وتتأسس مشروعية الدولة ، عند جون لوك ، على ضرورة حماية أمن الناس وسلامتهم وممتلكاتهم ( الحياة ، الحرية ، سلامة البدن ، الأرض ، النقود ، المنقولات …) ، وذلك انطلاقا من قوانين مفروضة بشكل متساو على الجميع ، وأي شخص يحاول انتهاك هذه القوانين ، يعاقب بتجريده من بعض أو كل تلك الخيرات التي كان من المفروض أن يتمتع بها في ظل الحكم المدني …
ما نعيشه اليوم ، هو تلك العودة الوجدانية والفلسفية إلى أصل نشوء الدولة كتعاقد اجتماعي ،إلى وظائفها الكلاسيكية : الحفاظ على الحياة، حفظ الصحة، حماية الأمن، توفير الغذاء …

2_ تأسيس الدولة وتطورها
يقول الأستاذ إدريس لشكر : “إن مقومات الدولة الحديثة بالمغرب ، بدأت تتشكل مع استقلال المغرب ، حيث تعاقبت الحكومات، وكان الهدف الأول هو التفاوض مع المستعمر وتحويل الإدارة الإستعمارية إلى إدارة وطنية ، إلى غاية 1959 مع حكومة عبد الله ابراهيم ، التي يمكن اعتبارها هي المؤسسة للدولة المغربية، والدولة الراعية ؛ حيث تم اعتماد العملة المغربية واستقلالية البنك المركزي، فجيل الستينيات من القرن الماضي لا يزال يتذكر مساواة وتوحيد أبناء المغاربة في التعويضات العائلية، وفتح عدد من المدارس التي مكنت أبناء المغرب من التعليم العمومي، لكن وللأسف ، هذه المشاريع الوطنية المتقدمة أُجهضت كلها ، وتوقفت في منتصف السيتينيات ؛ وسيعيش المغرب سياسة التقويم الهيكلي ، ونعيش الأوضاع الصعبة ، ليصل المغرب إلى حكومة التناوب ؛ هذه الأخيرة ستحقق الشيء الكثير في مجال الحماية الاجتماعية ؛ خاصة فيما يتعلق بالتغطية الصحية ، وتوسيع التقاعد ، وتوسيع الضمان الاجتماعي ….
أن مفهوم الدولة الحديثة التي ظهرت في القرنين 15 و 16 نتيجة صراعات فكرية واجتماعية عرفتها أوربا ، على أنماط حكم كانت سائدة من قبيل الاقطاع والبورجوازية ، لتظهر بعدها الدولة _ المدينة في ايطاليا وفرنسا وألمانيا ثم بعد ذلك الدولة _ الأمة ، التي ساهمت في انفصال الدولة عن الكنيسة لتحل محلها الدولة المدنية، من خلال تطور الفكر السياسي من ماكيافيلي وجان بودان إلى لوك ومونتسكيو وروسو ….وظهور نظرية العقد الاجتماعي ، التي ستفرز لاحقا الدولة الراعية التي تقوم على مبادئ تكافؤ الفرص ، والتوزيع العادل للثروة ، والمسؤولية العامة تجاه من هم غير قادرين على ضمان الحد الأدنى للعيش الكريم …
في تسعينيات القرن الماضي _ يقول الأستاذ إدريس لشكر _ تعرض المشروع الاشتراكي لهجمة قوية من طرف الرأسمالية ، وسادت أطروحة قليل من السلطة للدولة وكثير من السلط لقوى السوق .
ولمواجهة المد العارم لليبرالية المتوحشة تمت صياغة ما اصطلح عليه بالطريق الثالث في عهد الحزب العمالي البريطاني ، الذي لخصه زعيمه آنذاك في مقولته الشهيرة ” ليس هناك سياسة يمينية ولا سياسة يسارية بل هناك سياسة جيدة وسياسة سيئة ” ، حيث توصي هذه المقاربة بحماية إجتماعية تحكمها البراغماتية والتحالف مع قوى السوق ، وفي هذه الظروف يمكن فهم السياسات ، التي طبقتها حكومة التناوب ، حيث إن المنجزات التي حققتها لم تكن مؤسسة دستوريا ولا مؤسسة قانونا حتى جاء الحراك ثم دستور 2011 ، الذي أورد مصطلح الاجتماعية على الملكية، فلم تبق ملكية دستورية برلمانية ، حيث زادتها ملكية دستورية برلمانية إجتماعية ، في مادته 31 ، الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية تتقاسم أعباء الحماية الاجتماعية بينها ، كذلك نجد أن المادة 33 تربط الحديث بين الشباب والحماية الاجتماعية ، والمادة 35 نجدها تتحدث عن كون الملكية ليست حقا مطلقا ، وهو كذلك مدخل للحماية الاجتماعية ، والمادة 42 نجدها تؤكد أن الملك هو الساهر على حقوق وواجبات المواطنات والمواطنين ، وهذه الحقوق تندرج في سياق الحقوق الاجتماعية ، وبالتالي فإن دستور 2011 يشدد على الحقوق الاجتماعية في عدد من المواد الواردة فيه .”

3- ترسيخ الدولة القوية العادلة والمجتمع الحداثي المتضامن
إن المملكة المغربية بقيادة جلالة الملك ، قد أثبتت من خلال التعاطي مع هذه الكارثة الطبيعية أنها دولة قوية ، والقرارات الصادرة عن اللجنة التي ترأس اجتماعاتها جلالة الملك تلخص الاستراتيجية والخطة الواضحة ، والتي شرع في تنفيذها مبكرا .
إن المملكة المغربية ، أظهرت من خلال قراراتها الآنية والفورية ، من أجل إنقاذ الأرواح والضحايا والمتضررين جراء هذا الزلزال ، وإسعاف ما يمكن إسعافه وإغاثة المنكوبين ، أنها دولة متماسكة ومتضامنة ، وفي مستوى الثبات والرصانة ، تجاه هذه الكارثة الطبيعية ، ما جعلها تحظى باحترام كبير من عدد من الدول في العالم .
إن كل القرارات الملكية المتخذة في إطار لجنة تتبع كارثة الزلزال هي أولا قرارات حكيمة وعادلة ، وتنم عن حس إنساني رفيع نابع من روح المسؤولية ومتطلبات القيادة الرشيدة في مثل هذه الكوارث الطبيعية .
إن الدولة القوية العادلة والمجتمع الحداثي المتضامن ، هي الصورة التي ترسخت في أذهان الرأي العام العالمي وفي وسائل الإعلام ، بفضل القرارات القوية التي اتخذها جلالة الملك سواء في جانب المساعدات الدولية أو في التعبئة الفورية لكافة مؤسسات الدولة، وما يثلج الصدر ، أن هذا المشهد للدولة القوية العادلة والمجتمع الحداثي المتضامن ، هو الأساس المرجعي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، باعتبار أنه حزب اشتراكي ، وهو الطموح الذي عبرنا عنه في مداولات لجنة النموذج التنموي الجديد .
إن التدبير الملكي السامي لهذه الكارثة التي ضربت المغرب ، وتدخل كل فئات المجتمع ، أبان عن حركية تضامنية قوية وفي كل أشكالها من أحزاب ونقابات وجمعيات وكل فئات المجتمع .
نشيد بالمبادرات الشعبية التضامنية من كل أنحاء المغرب مع ضحايا ومتضرري الزلزال في كل من مدن تارودانت وأزيلال وورززات …إذ بادرت كل مكونات المجتمع بسرعة كبيرة إلى جمع عدد من المواد الغذائية والتموينية والأغطية والأفرشة والخيام ….وسارت قوافل تضامنية في اتجاه المدن المتضررة والجماعات القروية والدواوير التابعة لها ، متحدية كل الصعاب ، مع العلم أن هذه المناطق جبلية متميزة بمسالك طرقية صعبة .
نسجل انبهار العالم من هذه الأشكال والألوان والتعابير التضامنية ، منذ الوهلة الأولى للكارثة ، إذ توصلت البلاد وجلالة الملك بعدد من البرقيات والرسائل التضامنية وعروض المساعدات ، مما يؤكد أنه بفضل القرارات الملكية الحكيمة يحظى المغرب بالمكانة المحترمة والوازنة . ويعتز المغاربة بكل معاني الاحترام والتقدير من قبل دول العالم لبلادهم التي تقود مشروعا متميزا ومتفوقا في شمال إفريقيا وجنوب البحر الأبيض المتوسط .
نشيد بالأدوار المختلفة والفعالة التي تقوم بها عدد من مؤسسات الدولة لإغاثة ضحايا الزلزال ومنكوبيه ؛ القوات الملكية المسلحة ، الوقاية المدنية ، الأمن الوطني ، الدرك الملكي ، القوات المساعدة ، الأطر الصحية من أطباء وممرضين ، نساء ورجال الصحافة ووسائل الإعلام الوطنية والعربية والدولية .”

4_ وجه جديد للمغرب والمغاربة أخذ في التشكل

يقول الأستاذ إدريس لشكر في الأرضية التوجيهية ” إن الخطة الوطنية المتعددة الأبعاد والتي انخرط فيها الجميع منذ اليوم الأول لم تكن لتتحقق على أرض الواقع لولا التدخل المسؤول للدولة وثقة المواطن في المؤسسات الوطنية، إنه التناغم بين الدولة بمختلف مؤسساتها وسلطتها التنفيذية والتشريعية والقضائية التي تحمي حياة ومصالح مواطنيها ، والمجتمع الذي يلتزم بقرارات واجراءات مؤسساته .
يجب الحفاظ على هذه اللحمة وحمايتها من أي تشويش لأننا أمام فرصة تاريخية قل ما تتاح للأمم ، فرصة إعادة البناء على أسس سليمة ، فرصة ترسيخ المكتسبات وتقوية الخصوصية المغربية . فنحن أمة واحدة متعددة الروافد ….ما نحتاجه اليوم هو كتلة وطنية بيمينها ووسطها ويسارها ؛ كتلة وطنية بقيادة جلالة الملك ، كتلة وطنية تنخرط بوعي ومسؤولية ، تنخرط موحدة لمواجهة هذه الجائحة التي تهدد الوطن والمواطن …
فما حدث بالمغرب هو استجماع الوعي السياسي سواء من طرف جميع النخب ، الثقافية والسياسية والاجتماعية . بدأ الوعي الجماعي يتشكل والتواصل بين مختلف أشكال الوعي ، وهذا ستكون له انعكاسات إيجابية على التجربة التاريخية المقبلة على مستوى التعاون السياسي ، والتعاون بين النخب ، والتعاون الثقافي والعلمي لأن صداه التاريخي سيكون ايجابيا فالخطر يوحد ويبلسم الجراح .
الصراعات السياسية تترك آثارا وجروحا وتجعل الأحقاد السياسية والاجتماعية تتراكم ، وهذا طبيعي حين يحدث في فترات السلم العام ، لكن في لحظات الخطر والتهديد ، الجميع يلين مطالبه واحتجاجاته وتقييماته السلبية .
المغرب اليوم أظهر ، وفي لحظات سابقة ، أنه يمكن في لحظات معينة ، أن يتلاءم فيه الوعي الاجتماعي والسياسي لتقديم المصلحة الجماعية على المصالح الفردية .
يمكن القول أن مفعول الحدث الصادم سيكون مبلسما للوعي التاريخي المغربي نحو مزيد من التفاعل، ونحو مزيد من عقد اجتماعي أكثر عدالة وأكثر تسامحا وانفتاحا .
إنه أول امتحان حقيقي يمر منه المغرب في العهد الحالي . هناك هبة حقيقية إذا تم استغلالها على الوجه الأصح فيمكن أن تعيد الثقة للمغاربة، لأن هذا الإجماع على إنقاذ المغاربة والمغرب قد يكون ، في حال الاستفادة منه ، بداية اقلاع حقيقي نحو البناء . فما كان ينقص حتى الآن هو هذا الانخراط في المسؤولية الجماعية . كيف يمكن تحويل كل هذا إلى مشروع مجتمعي ؟ بما أننا في زمن الجائحة يمكن التفكير مليا في ما يمكن أن نمنحه لهذا البلد…
إن المغرب اليوم في محك حقيقي، أثبتنا فيه بالفعل أننا دولة قوية تحترم المؤسسات سواء في صيغتها الدستورية أو القانونية … وهناك تجاوب مطلق ما بين المؤسسات ومكونات المجتمع المغربي …
يقول الأستاذ إدريس لشكر في الأرضية التوجيهية ” كاشتراكيين ديموقراطيين ، جعلنا شعار مشروع النموذج التنموي الجديد لحزبنا الذي أعلنا عنه بعد مشاورات ومداولات داخلية في ندوة دولية في أبريل 2018 : ” دولة قوية عادلة ومجتمع حداثي متضامن ” . واليوم وبلادنا على المحك ، يعي الجميع معنى الدولة القوية العادلة : دولة ذات مصداقية تحرص على تحمل مسؤولياتها والوفاء بالتزاماتها ومهامها كيفما كانت كانت الظروف . ويعي الجميع معنى المجتمع الحداثي المتضامن : فئات مجتمعية متضامنة فيما بينها بغض النظر عن انتمائها الطبقي او الفئوي او الجغرافي أو النوعي .”
ويقول الأستاذ إدريس لشكر في ذات الأرضية ” فمع البدايات الأولى لانتشار جائحة ” كورونا ” ، جسدت الدولة المغربية بقيادة جلالة الملك طابعها الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى ، وبشكل جعل بلادنا مضرب الأمثال في مختلف أقطار العالم .
لقد كان للمبادرات الملكية عظيم الأثر في تجنيب بلادنا مآس غير محسوبة العواقب . فقد تفاعلت الدولة المغربية مع تقارير المنظمات الدولية ( منظمة الصحة العالمية ، صندوق النقد الدولي ، البنك الدولي ، منظمة الأمم المتحدة ) بكل عقلانية ورصانة ، فتوالت المبادرات الملكية بقيام جلالة الملك باستعمال كل ما منحه الدستور من صلاحيات ، سواء على مستوى إمارة المؤمنين ، أو رئاسة الدولة ، أو القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية ، لإطلاق المبادرات اللازمة للحد من انتشار الفيروس ، الشيء الذي سهل انخراط كل مكونات المجتمع لمكافحة هذا الداء والحد من تبعاته ، كل من موقعه ….”
من بين حسنات فيروس ” كورونا ” أنه أعاد للمغاربة الثقة في الدولة ، فالمغاربة تأكدوا أن هناك دولة تحميهم ، بعدما لاحظوا أن المغرب نجح إلى حد كبير في تدبير الأزمة…. .
المغاربة فهموا أيضا بعد أزمة ” كورونا ” الدور الكبير الذي تلعبه المؤسسات ، ولو بإمكانياتها البسيطة ، وأن دور الدولة ليس هو فقط تحصيل الضرائب من جيوب المواطن البسيط والفقير ، ولكن أن تقف إلى جانبه أيضا في وقت الأزمات .
المغاربة عرفوا أيضا الأدوار التي يقوم بها الأمن في التوعية والتحسيس وحماية حياة المواطنين ، كما عرفوا أن المغرب يمكنه أن يكون مستقلا عن الدول الأوروبية في تدبير شؤونه الخاصة ، وفي حماية مواطنيه وأنظمته على حد سواء ، فلا مجال لأي جهة خارجية اليوم أن تزايد علينا . صحيح أن وسائل المغاربة وإمكانياتهم بسيطة ، لكن الدولة بمؤسساتها وشعبها نجحت في كل الأحوال في تدبير الأزمة ، بقدر المستطاع.
اليوم الدولة أظهرت دورها كدولة رعاية وكمؤسسة تمثل وعي وضمير ومسؤولية المجتمع ، وهي في موقع القيادة ولهذا ظهر وجهها الآخر….
وهنا لا يمكن أن ننسى المجتمع الذي برزت فيه مظاهر جديدة من التضامن والقيم التي كانت تتضاءل من قبل . لقد اكتشف المغاربة الجانب الايجابي في بعضهم البعض ، من خلال العديد من تمظهرات قيم التضامن على كافة المستويات.
اليوم برزت قيم التضامن بسخاء ، وهذا شيء جميل تذكر به لحظات ، هذه طبيعة التاريخ ، كثيرا ما يقلب ظهر المجن ، ويظهر لنا وجوها مختلفة حسب الظروف .
اليوم هناك استجابة المجتمع والدولة والأفراد ، وهنا وجه جديد للمغرب وللمغاربة أخذ في التشكل وإن كانت كل التحولات تتم ببطء وتتشكل تدريجيا ، أعتقد أن هذه المسألة ستغني الوعي التاريخي المغربي، وستجعل المغربي يفصل ويميز بين أبعاد الصراع وأبعاد التضامن ، يمكن أن نسميها ” الأبعاد الإيجابية ” .
اليوم التاريخ يتيح ازدهار وتنامي وتطور هذه الأبعاد الإيجابية الكامنة في عمق الكائن البشري .
وهنا نذكر بما جاء في المذكرة التي قدمها الاتحاد الاشتراكي للجنة النموذج التنموي الجديد ، والتي كانت بعنوان ” دولة قوية عادلة ومجتمع حداثي متضامن ” ؛ “ولعل أهم استخلاص يمكن الوقوف عنده يرتبط بالرؤى والآليات العامة المعتمدة في تفعيل المشروع التنموي على أوسع نطاق ، وخاصة على مستوى تحديد مهام وأدوار الدولة في المسار التنموي الشامل . وهنا ، لا بد من الإشارة إلى منظورنا لدور الدولة التي لا نريدها وفق مبادئنا الاشتراكية المعارضة لفكرة تحطيم الدولة ، أن تكون ” جهازا حارسا ” يسمح للصراع الاجتماعي واقتصاد السوق بالتحكم في مصير البلاد . فالدولة التي نريد غير محايدة تقوم بدور تحفيزي واجتماعي لصالح الفئات الاجتماعية الأكثر تضررا في المجتمع من خلال توفير شروط العيش الكريم والحماية الاجتماعية العادلة والمنصفة . إننا مع الدولة الداعمة للتخفيف من حدة آثار العولمة في إنتاج المزيد من الفقر والهشاشة في ظل غياب تنافسية الاقتصاد الوطني القادرة على تحقيق التوازن الاجتماعي .”

error: