باحثون يلتئمون بعاصمة زيان لمناقشة التراث الثقافي والطبيعي بمنطقة خنيفرة وإمكانية تقييده في اليونسكو

72٬861
  • أحمد بيضي
أوصى المشاركون في ندوة نُظمت، بخنيفرة، حول: “التراث الثقافي والطبيعي بمنطقة خنيفرة”، بضرورة “جرد واقتراح المآثر التاريخية لقوائم اليونسكو في إطار حماية التراث المادي وغير المادي”، مع “وضع برنامج لترميم هذه المآثر واسترجاعها ومطابقة شكلها الأصلي”، مقابل العمل على “تنمية الحرف التقليدية ذات الصلة بالموروث الثقافي بخنيفرة (صناعة الزرابي، صناعة الخزف، الصناعات الجلدية، الخيمة الزيانية..الخ)، و”الاهتمام بالفرس الأصيل المتواجد بالمنطقة”، مع “تهيئة المدينة العتيقة وفق هندسة تساير الطابع المحلي ومميزاته الهندسية”، و”خلق مدار سياحي ثقافي” و”إحداث متحف اثنوغرافي بالإقليم”.
وبالنظر للاهتمام الكبير الذي أخذت توليه بلادنا لحماية وتثمين التراث الثقافي والطبيعي، دشنت “جمعية أطلس للمحافظة على التراث المادي واللامادي” أنشطتها العلمية بندوة مميزة جرت استضافتها ب “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، بخنيفرة، عشية الخميس 19 أكتوبر 2023، تحت عنوان: “التراث الثقافي والطبيعي بمنطقة خنيفرة، أية إمكانية للتقييد الدولي في منظمة اليونسكو، وذلك بمشاركة الباحث في التراث المحلي، ذ. لحسن رهوان، الباحث في علم النميات واللقي الأثرية، ذ. سلام الحجام، ونائب رئيس اللجنة المغربية للمجلس العالمي للمباني والمواقع (إيكوموس)، د. عبد العالي بوزيان، فيما قام بإدارة وتسيير فقرات هذه الندوة، ذ. رشيد ترياح.
وتميز برنامج “جمعية أطلس للمحافظة على التراث المادي واللامادي” بالتمهيد للندوة بزيارة جماعية صباحية لعدد من المعالم التاريخية على مستوى مدينة خنيفرة، شملت أساساً قصبة موحى وحمو الزياني، باب قصر اولعايدي، القنطرة الإسماعيلية، دار الدباغة وسوق الزربية، قبل انتقال الجميع مساءً لحضور أشغال الندوة العلمية التي عرفت حضورا نوعيا ومتميزا للمهتمين بالشأن الثقافي المحلي وبالتراث المادي وغير المادي، وحمايته وتثمينه من أجل أن يبقى راسخا في الهوية والذاكرة الوطنية، حيث تجلى تفاعل الجمهور الحاضر مع مداخلات المشاركين باهتمام بالغ وبنقاش أغنى موضوع اللقاء بعدة تصورات ومقترحات.
من جهته، تناول الباحث ذ. لحسن رهوان، موضوع “حضور الماء في التراث الثقافي والطبيعي المحلي، وفي الطقوس الدينية والأساطير والحكايات الشعبية”، حيث اختار التركيز أكثر على نهر أم الربيع نموذجا، ك “موروث مائي للمنطقة والأكثر ارتباطا بالإنسان عبر مختلف العصور”، وكذا ارتباطه بالمجال والطبيعة والمقاومة  والشعر الأمازيغي والصناعة التقليدية والتنقل بين السهل والجبل، مستشهدا في ذلك بأبحاث عدد من المؤرخين والروائيين والرحالين والجغرافيين والسوسيولوجيين، وكذا ببعض الروايات الشفهية والقطع الغنائية (امديازن وإنشادن) والأشعار الأمازيغية، وما نسج حول منبع ومجرى هذا النهر من معتقدات وخرافات.
وفي ذات السياق، تطرق ذ. لحسن رهوان لمكانة نهر أم الربيع في التاريخ القبلي والعسكري والهوياتي، وفي تنشيط الحركة الاقتصادية والثقافة المحلية، وتنظيمه للمجال والتجمعات البشرية، فيما لم يفته تناول تاريخ بعض القناطر المشيدة على هذا النهر، و”مساهمة كل واحدة منها في الربط الجغرافي وحركة الزوايا والمزارات”، قبل انتقاله للحديث عن التهديدات التي تهدد النهر المشار إليه، وتهدد الثروات السمكية والفلاحية، كما للحديث عن بعض الزوايا الدينية المحاذية للنهر، وبعض المواقع التي لا تقل عن “بوزقور” التي اشتهرت ضمن عدد من الأبحاث التاريخية كمنطقة لسك القطع النقدية التي عثر على بعضها في أوقات متفرقة.
أما الباحث والإعلامي العصامي، ذ. سلام الحجام، فتميزت مشاركته في الندوة بعرض شيق حول علم النميات واللقى الأثرية، وعلاقة ذلك بالتراث والتاريخ، حيث استعرض مجموعة من المعطيات والمعلومات والحقائق المعززة بالوثائق والقطع النقدية التي رأى فيها “ركنا أساسيا في تاريخ العصور والأنظمة والشعوب والعلاقات والمبادلات التجارية”، و”مصدر استنباط معلومات عدیدة يمكن مقارنتها بالمصادر الكتابیة الوازنة”، مؤكدا “دور النقود المكتشفة في إبراز الكثير من البياضات التاريخية”، ومنوها ب “دور بعض الجمعيات في اكتشاف قطع نقدية أثرية اكتسبت خصائص ميزتها عن باقي الأدوات والأشياء الأثریة الأخرى.
وارتباطا بالموضوع، لم يفت ذ. سلام الحجام الإشارة لقطع نقدية أثرية “ساهم اكتشافها في تغيير مجريات تاريخية متداولة”، ومنها “قطع تعود لعهد أغمات والمرابطين”، كما كشف عن بعض القطع النقدية التي “أكدت وصول الرومان للأطلس المتوسط في الوقت الذي لم يكن أي أحد أو أي باحث يعلم بذلك”، فيما زاد ذ. الحجام فأبرز جوانب من تاريخ الإسلام بالمغرب من خلال بعض القطع النقدية، وتاريخ الأدارسة وسكهم للنقود دراهم من الفضة وأفلاس من البرونز، قبل توقفه أكثر عند قطع نقدية من تاريخ خنيفرة، مستعرضا أمام الجمهور الحاضر نماذج منها تعود لقرون مضت، وإلى حدود عصر جوبا الثاني، ومنها التي ضربت ببوزقور، مريرة، تيكريكرة وواومانة.
ومن جانبه، انطلق الباحث ذ. عبد العالي بوزيان، في مداخلته، من تعريفه بالمجلس العالمي للمباني والمواقع (إيكوموس)، باعتباره جمعية مهنية تعمل بهدف حفظ وحماية واستدامة أماكن التراث الثقافي والمؤهلات الطبيعية والمآثر التاريخية في جميع أنحاء العالم، وكذلك التعريف بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) باعتبارها منظمة تهتم بالمشاريع الثقافية والتاريخية، واتفاقيات التعاون العالمي للحفاظ على الحضارة العالمية وحماية التراث الطبيعي والثقافي والتنوع البيولوجي، وتثمين الطقوس والتعبيرات الفنية، ومكافحة الاتجار غير المشروع بالمقتنيات الثقافية، فضلا عن الحصول على المعارف في مجالات التنمية المستدامة.
وبناء عليه، أكد ذ. بوزيان أن “كل المجهودات المبذولة في حقل التراث لم تتمكن من جعل هذا التراث ثروة مادية فاعلة في التنمية، أو إقناع المجتمع بتثمينه”، ولا من “تنزيل توصيات واستراتيجيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المعنية بحماية التراث”، لينتقل المتدخل بورقته إلى بسط الاتفاقيات الدولية المعنية بالموضوع، قبل تركيزه أكثر على ما تزخر به خنيفرة من مؤهلات طبيعية وتراث مادي وغير مادي، وما تم تناوله حولها من طرف الباحثين والمؤرخين والدارسين، وعبَّر عن تأسفه الشديد حيال وضعية بعض المآثر والقصبات التاريخية والمظاهر الثقافية التي لم تنل ما تستحقه من العناية والاهتمام والحماية.
وفي هذا الصدد، شدد ذ. بوزيان على ضرورة الاشتغال على “دراسة تنتشل مآثر المدينة من السطحية إلى ما يجعل هذه المدينة تراثية سياحية وفق القوانين التي تدعو إليها منظمة اليونسكو”، بينما لم تفته الإشارة لبرنامج التأهيل المنتظر ببعض المواقع على مستوى خنيفرة، معبرا عن أمله في “احترام واستحضار العمران التراثي المحلي الأمازيغي في هذا البرنامج”، كما تطرق لعدد من المواقع الأثرية والطبيعية، والصناعات المحلية، على مستوى الإقليم، ليدعو عموم فعاليات المجتمع المدني ل “الترافع من أجل إحداث متحف اثنوغرافي وحماية الممتلكات التراثية وتشجيع السياحة الثقافية”، ذلك قبل تلاوته لقوائم اليونسكو العشر المعنية بتصنيفات التراث.
وبالمناسبة، تخللت الندوة فقرات ممتعة، منها عرض مسرحي، بلغة موليير، من إبداع وتأليف وإخراج ذ. محمد حمراوي، وتشخيص تلميذات وتلاميذ مدرسة تسكارت وإعدادية 13 نونبر، بخنيفرة، وهي بعنوانS.O.S ma chère planète حيث تقوم بعض الكائنات الحية بمحاكمة الإنسان جراء ما يقترفه من أعمال تخريب واستنزاف وضرر بالبيئة، فيما تميزت المناسبة بعرض أشرطة فيديو عبر استعمال الشاشة المتوسطة، كما بتقدم الفنانة الفوتوغرافية، ليلى عجماوي، بمنسوجات يدوية وأحزمة وقطع نسائية تقليدية من الثوب والخيوط، تعود لسنوات طويلة مضت، وتتميز بأصالة زيانية أطلسية عريقة.
error: