جلسة حول “النقد السردي” ب “مهرجان القصة القصيرة”، في خنيفرة، تنتهي بتلاوة “بيان حلقة فاس في النقد الأدبي”

192٬009
في إطار فعاليات “المهرجان الدولي التاسع للقصة القصيرة جدا”، (دورة الناقد عبد الواحد المرابط)، والذي تم تنظيمه في مدينة خنيفرة، من طرف “جمعية الأنصار للثقافة”، على مدى أيام الجمعة، السبت والأحد 29، 30 و31 دجنبر 2023، تحت شعار “الحكي تواصل إنساني”، أشرف “مركز الأبحاث السيميائية والدراسات الثقافية”، في هذه التظاهرة، على تنظيم جلسة نقدية تحت عنوان: “النقد السردي بين النظرية والتطبيق”، شارك فيها د. حميد لحمداني، د. عبد الرحيم وهابي، د. عبد الله حدادي، د. عبد الواحد المرابط ود. محمد مساعدي، وهي الجلسة التي جرى تتويجها بحوار ونقاش جادين مع الجمهور الحاضر، ثم بتلاوة بيان “حلقة فاس في النقد الأدبي الحديث والمعاصر”.

بيان حلقة فاس في النقد الأدبي الحديث والمعاصر

“يُقْرَأُ هذا البيان أولَ مرة في مدينة خنيفرة للتدليل على أن مشروع حلقة فاس ينفتح على جميع الفعاليات الثقافية والطاقات المعرفية الموجودة في المغرب، يتبادل وإياها الخبراتِ المعرفيةَ في مجال الأدب والنقد الأدبي الحديث والمعاصر. ولذلك فنحن نُعَبِّر أولا عن افتخارنا بهذا المنبر الثقافي، ونَثَمِّنُ جهودَ جمعية الأنصار للثقافة بمدينة خنيفرة.
تعود الجذور الأولى لحلقة فاس إلى فترة تمتد من تسعينيات القرن الماضي إلى أوائل القرن الواحد والعشرين (من 1992 إلى 2017) بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز. فقد شكل التأطير الجاد لأساتذة أجلاء فيضا معرفيا تجلى في عقد ندوات متعددة اهتمت في المقام الأول بالدراسات النقدية، وإصدار كتب نوعية وصل عددها إلى أحد عشر كتابا في النقد والابداع والدراسات الترجمية والمترجمات. وقد احتضنت هذا التأطير هياكلُ بحث حملت على عاتقها إنجاز مشاريع علمية ما زالت بصماتها واضحة المعالم في الساحة النقدية والثقافية بشكل عام:
– وحدة الدكتوراه في النقد الأدبي الحديث والمعاصر مناهجه وقضاياه (1994 – 2017)
– وحدة النقد الأدبي المعاصر مناهجه وقضاياه (الخاصة بدبلوم الدراسات المعمقة 1992 – 1997)
– مشروع “النقد المعاصر: مناهجه وقضاياه” تحت إشراف د. حميد لحمداني (بدعم من المركز الوطني للبحث العلمي في إطار المشروع الجزئي باريس PARS 1999 –  2003)؛
– مشروع “البحث النقدي ونظرية الترجمة” تحت إشراف د. حميد لحمداني (بدعم من المركز الوطني للبحث العلمي في إطار المشروع الجزئي: البرنامج الموضوعاتي لدعم البحث العلمي: بروتارس3 PROTARS III 2007 – 2010)،
وقد كانت هذه الوحدات ومشاريع البحث نواةً لتكوين باحثين أصبحوا بدورهم بارزين في الحقل الثقافي المغربي والعربي بإنتاجاتهم العلمية وإسهامهم الفعال في تأطير جيل آخر في سلك الدكتوراه.
وقد بادر هؤلاء الباحثون إلى تأسيس “مركز الأبحاث السيميائية والدراسات الثقافية بالمغرب”، بمعية باحثين بارزين في مختلف الجامعات المغربية ومراكز التكوين والبحث والتأطير في المغرب، فأصبح في ظرف وجيز مركزا نشيطا وفاعلا بقوة في تنمية الحقل الثقافي المغربي سواء بنوعية الكتب التي أصدرها، والتي بلغ عددها ثلاثة وثلاثين كتابا، أو بالأنشطة الثقافية (العلمية والتربوية) الهامة التي أشرف على تنظيمها بشراكة مع مؤسسات جامعية أو جمعيات ثقافية تنموية ذات رصيد معرفي وتنموي وازن.
ورغم تباين تخصصات هؤلاء الباحثين، فإن ما يجمعهم هو أنهم يشتغلون في مشاريع نقدية وثقافية وتربوية متنوعة توحدها مبادئ كبرى منها ما يتصل بمعالجة الإبداع الأدبي، ومنها ما ينشغل بقضايا وإشكاليات النقد الأدبي ونقد النقد والتنظير الأدبي. وقد آن الأوان لرصد هذه المبادئ في بيان يستجمعُ الجهودَ ويعززُ العملَ المشترَك ويحدد الرهانات الكبرى، وينفتح في الآن نفسه على مختلف الطاقات في مجال الأدب والنقد داخل البلاد وخارجها، وذلك من أجل فتح آفاق جديدة أمام هذه المشاريع. ويمكن حصر هذه المبادئ الكبرى فيما يلي:
(1) الإبداع الأدبي طاقة حية تتجدد على الدوام، وهذه الطاقة مشحونة بقيم إنسانية وفنية يسعى المبدعُ من خلالها إلى تعميق الوعي والتحرر والحلم في آن واحد: التحرر من القيود التي تحد من حرية التفكير والتعبير، وتعيق الانفتاح على آفاق المعرفة المعاصرة؛ والحلم بواقع جديد تتحقق فيه إنسانية الإنسان، بأسمى المعاني.
(2) النقد الأدبي حقل معرفي مواكب لتطور الإبداع ومنفتح على مختلف المجالات الاجتماعية والفلسفية والنفسية والثقافية والمعرفية، فضلا عن اللسانيات والسيميائيات والبلاغة، مما يعني استحالة بناء النماذج النقدية خارج هذه المرجعيات. ومن هذا المنطلق فإن وظيفته الأساس هي تحصينُ القِيَمِ الإنسانية الكبرى، وتنميةُ الحِسِّ النقدي، وجعلُ القارئ فَعّالًا وقادرا على التحليل والتركيب والمقارنة والاستنتاج والمساءلة الجريئة والنقد البناء. هذا الحسُّ النقدي هو الذي يجنب الإنسانَ الوقوعَ في شَرَكِ الشَّعْبَوِيَّة، ويُبْعِدُه عن كل ما من شأنه أن يُبَخِّسَ الأدبَ والتفكيرَ النقديَّ، ويَحُطَّ من شأن القيم الإنسانية الكبرى، وهذا هو ما يؤهله للتفاعل مع النصوص بطرق تتيح له استثمار آليات المعرفة والعلم لكشف بنياتها الفنية ومساءلة مختلف القيم وكذا مفاعيل الهيمنة التي تُخفيها.
(3) نقد النقد حقل معرفي مواكب لتطور النقد الأدبي، يهتم بفحص الأعمال والمشاريع النقدية من أجل تقييم مردوديتها المنهجية والمعرفية، وهو جزء لا يتجزأ من النظرية النقدية التي تتجدد بتجدد الأنواع والأجناس الأدبية.
(4) نقد التنظير الأدبي حقل معرفي جديد يتقاطع مع نقد النقد، إلا أن ما يميزه هو اهتمامه بفحص المشاريع النظرية من أجل تقييم مردوديتها المعرفية والعلمية.
مدينة خنيفرة: يوم السبت 30 دجنبر 2023
error: