مسلسل “بين لقصور” إنتاج فني يكرم الأحياء القديمة ويعيد الدراما المغربية إلى سكتها نحو التنافسية

21٬005

عبد الرحيم الراوي

يواصل مسلسل بين القصور للمخرج هشام الجباري طرح مواقف درامية مليئة بعنصر التشويق من خلال حلقاته التي تبث على القناة العربية ايم بي سي 5 مباشرة بعد أذان صلاة المغرب.

في هذا العمل تناول المخرج بطريقة ذكية موضوع الأحياء القديمة، التي كان لها الفضل في خلق نسيج متماسك من الأخلاق والقيم بين العائلات، التي كانت تنتمي في معظمها إلى الفئة العمالية، فأنجبت أطرا من مثقفين وإعلاميين وأطباء ومحامين وقضاة وأساتذة ورجال أمن.. في المقابل، هناك منحرفين وتجار المخدرات ولصوص وحالات من الأمراض العقلية والنفسية..

لكن ورغم ذلك، يبرز المسلسل، علاقة الإنسان بمحيطه ونشأته التي تجعله مرتبطا بحيه وجذوره من خلال شخصية عزيز الحطاب في دور الطبيب الوديع والمتسامح.. والذي يشكل نقطة ضوء في حي شعبي يعيش فيه “الكاطورز” (أنس بسبوسي) “الغندور”  (محمد خيي) وهو تاجر مخدرات يتحاشاه الجميع بسبب عدوانيته وغلظته، لا يعرف الرحمة ولا الشفقة ولا يتعامل إلا بلغة العنف حتى مع أقرب الناس إليه.

حاول المخرج في مسلسل “بين القصور” التطرق إلى بعض التفاصيل، وكأنه يتحسر على تلاشي العديد من القيم التي كانت تحكم العلاقات بين الجيران في المجتمع المغربي خلال العقود الماضية، والتي كان لها أثر كبير على الجانب التربوي والأخلاقي والإنساني للأجيال السابقة، حيث كانت تسود بينهم ثقافة “المعروف” و “الأصول” ” L’autenticité “.

 هذه الثقافة تمكنت من تذويب كل أشكال المتناقضات، وجعلت لغة الاحترام والتعايش والتكافل هي الأسمى بين سكان الدروب والأزقة، وطبعت سلوكهم اليومي، فحولت البيوت إلى بيت واحد، ومنحت الجار حظوة رفيعة تعادل مكانة الوالدين..، وعلمت أبناء الحي أن الارتباط بالجذور هو المعنى الحقيقي للارتباط بالهوية التي تمنح الإنسان الراحة النفسية، والشعور بالأمان، وهو يتفاعل بكل حرية في حضن عائلي كبير يتجاوز عتبة بيته.

كل هذا الزخم الإنساني المحفوف بالنوسطالجيا، اختزله بنجاح المخرج هشام الجباري والسيناريست بشرى مالك في مسلسل “بين لقصور”، من خلال العديد من المواقف التي تبرز قيمة ابن الحي القديم، وهو في حالة تفاعل وتنافر وتصالح مع محيطه وجيرانه.

وفي هذا الصدد، قالت الممثلة هدى الريحاني في تصريح إعلامي: “يقربني المسلسل إلى تجارب طفولتي، ويعيد لي ذكريات جميلة، وأهمية الانتماء ووفاء الإنسان لمسقط رأسه الذي يحمل ذكرياتنا وهويتنا، فلا يمكن للإنسان أن يتخلى عن ذكرياته وماضيه وهويته، حتى وإن كان يشغل مناصب عالية”.

للإشارة فقد شارك في هذا العمل الدرامي المتفرد نخبة من الممثلين المغاربة، من بينهم محمد خيي، السعدية لديب، عزيز الحطاب، فرح الفاسي، ميلود الحبشي، هدى الريحاني، أنس بسبوسي، مريا للواز، ندى هداوي، سعد موفق، أكرم سهيل وأخرين.

كما أضفى أداء المطربة بلقيس نجلة المطرب اليمني المشهور أحمد فتحي، بالدارجة المغربية، جمالية في التناسق والتناغم بين الجينيريك وموضوع المسلسل.

error: