الاتحاد الاشتراكي

شهد مجلس النواب، نهاية الأسبوع الماضي، لحظة ديمقراطية تم خلالها البدء في تجديد هياكل المجلس طبقا لأحكام الفقرة الثالثة من الفصل 62 من الدستور التي تنص على انتخاب رئيس مجلس النواب و أعضاء المكتب، ورؤساء اللجان الدائمة ومكاتبها، وتجديدها في السنة الثالثة عند دورة أبريل لما تبقى من الفترة المذكورة. ولا شك أن هذه اللحظة الديمقراطية تشكل امتدادا لستة عقود من تراكمات العمل البرلماني تم خلالها إرساء ركائز الدولة العصرية على أسس ديموقراطية ومؤسساتية.

و هو ما يدعو إلى تفعيل المقتضيات الدستورية ومقتضيات النظام الداخلي كما هو الشأن بالنسبة لانتخاب أعضاء مكتب مجلس النواب حيث تنص الفقرة الأخيرة من المادة 23 من هذا النظام الداخلي على أنه تقدم فرق المعارضة أسماء مرشحيها لمنصب محاسب واحد و/أو أمين واحد ولا يحق الترشيح لأحدهما أو لهما إلا نائبة أو نائب من المعارضة.
وفي هذا السياق فقد أكد قرار المحكمة الدستورية رقم 209/23 الصادر بتاريخ فاتح مارس 2023 بشأن مطابقة النظام الداخلي لمجلس النواب للدستور، على ضرورة تخصيص منصب محاسب أو أمين للمعارضة البرلمانية وإلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي، إذ ورد في قرار المحكمة الدستورية مايلي:
« وحيث إن الصيغتين المعدلتين  للمادتين 28 و136 المعروضتين، خلتا، على التوالي، من تحديد قواعد تضمن، من جهة، تخصيص الترشح لمنصب محاسب أو أمين لنائب من فرق المعارضة، بعد أن كانت الفقرة الأخيرة من المادة 23 من النظام الداخلي الساري المفعول تنص على أنه : «تقدم فرق المعارضة أسماء مرشحيها لمنصب محاسب واحد و/أو أمين واحد ولا يحق الترشيح لأحدهما أو لهما إلا لنائبة أو نائب من المعارضة.»، ومن جهة أخرى، مما يكفل تمثيل المعارضة في منصب رئاسة أو مقرر مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة، بعد أن كانت الفقرة الأولى من المادة 122 من النظام الداخلي النافذ تنص على أنه: «تتألف مجموعات العمل الموضوعاتية المؤقتة من …مكتب يضم عضوين أحدهما من المعارضة.؛
« وحيث إن الدستور، لما اعتبر، بمقتضى الفصلين10  و69 منه، ما خول للمعارضة البرلمانية حقوقا، ترتب عن ذلك، أن لا يتخلف ما يحدده النظام الداخلي بشأن كيفيات ممارستها، عما سبق أن سنه من قواعد، ضمانا للمكتسب من حقوق المعارضة وسعيا مطردا إلى كفالة تلك الحقوق وضمان ممارستها في نطاق الدستور، لاسيما المبدأ، المستفاد من الأحكام المستدل بها أعلاه، المتمثل في ألا تقل النسبة المخصصة للمعارضة، سواء في تشكيل أجهزة المجلس أو في ممارسة مختلف أدوارها في التشريع والرقابة والأنشطة الداخلية للبرلمان والديبلوماسية البرلمانية عن نسبة تمثيليتها في المجلس «.
فمنذ دستور 1962 حيث تم إقرار نظام التعددية الحزبية، ووضع المؤسسات الدستورية وعلى رأسها البرلمان بمجلسيه، وطيلة مسار التطور الديمقراطي الذي راكمه البرلمان المغربي، ظل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وفيا لمبادئه، مؤمنا بدور المؤسسة التشريعية كلبنة أساسية في مواصلة ترسيخ البناء المؤسساتي وتقوية المسار الديموقراطي الوطني، وتعزيز الإصلاحات وتقوية المؤسسات، وصيانة الحقوق ومواصلة تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وفي إطار تطوير التجربة البرلمانية المغربية ظل مطلب تقوية دور مؤسسة البرلمان وتوسيع اختصاصاته كسلطة تشريعية قوية، وتعزيز مكانة المعارضة البرلمانية في البنية السياسية والمؤسساتية، وتخويلها الآيات الكفيلة بضمان قيامها بمهامها التمثيلية والتشريعية والرقابية.. ومساهمتها في البناء الديمقراطي والمؤسساتي، وتكريس مبدأ توازن السلطات، والتوازن المؤسساتي، أحد أهم المطالب الأساسية ضمن مطالب الإصلاح السياسي والدستوري التي رفعها الحزب إلى جانب مختلف القوى السياسية والنقابية والحقوقية للجنة الاستشارية لمراجعة الدستور.
إن تنزيل هذه الإصلاحات ظل دائما مؤطرا بأحكام الدستور وبمقتضيات الأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان التي نص المشرع الدستوري على ضرورة إقرارها وفق مسطرة خاصة وإلزامية عرضها على المحكمة الدستورية، إلى جانب القواعد والأعراف والتقاليد البرلمانية التي استقر عليها العمل والممارسة البرلمانية طيلة العقود الستة الماضية. وهو ما مكن، في مختلف المراحل، من إقرار التوافق كآلية لتدبير الشؤون الداخلية للمؤسسة البرلمانية، من أجل تيسير مساهمة كافة الفرقاء في العمل البرلماني والارتقاء به.
وفي هذا السياق، وكما ذهب إلى ذلك قرار المجلس الدستوري رقم 12/838 عند مراقبته للنظام الداخلي لمجلس النواب المحال إليه بتاريخ 14 فبراير 2012 حيث اعتبر أن المادة 36 من النظام الداخلي لمجلس النواب في صيغتها المعدَّلة، لا سيما بتنصيصها على تخصيص رئاسة لجنتين دائمتين للمعارضة من بينها اللجنة المكلفة بالتشريع المقرر في الفصلين العاشر و69 من الدستور، مع التأكيد على مبدأ التخصيص وإقرار المجلس لكيفيات تنزيل هذا المقتضى ، ومن هذا المنطلق فإن انتخاب رؤساء اللجان الدائمة بما فيها اللجنتين المخصصتين للمعارضة البرلمانية – على سبيل المثال وليس الحصر – ظل دائما يخضع لروح الدستور والتوافق، وللأعراف والتقاليد والممارسة البرلمانية كمنظومة متكاملة في احترام تام لمبدأ وقاعدة التمثيل النسبي.
إن الخروج اليوم عن هذه المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات باعتبارها منظومة متكاملة تضمن التوافق واحترام منطوق وروح الوثيقة الدستورية، لن يكون إلا ترجمة لمنطق التغول الذي طبع المشهد السياسي منذ الانتخابات الأخيرة.