مراكش: السكان يخرجون للشوارع ..الحرية أولا وبعدها يأتي الموت

33٬591

مكتب مراكش: محمد المبارك البومسهولي

لا عجب أن تكون الأرقام المسجلة كل يوم في مراكش المرتبطة بالاصابة بفيروس كورونا مرتفعة مقارنة بالمدن والأقاليم الأخرى ، لأن هناك بالفعل عدم الانضباط للحجر الصحي، فخرج الناس الى الاسواق والمحلات جماعات يلتصق بعضهم ببعض، وخرج الاطفال مع أوليائهم وبعضهم بدون كمامامات، وأصبح البعض يتحدث عن أن هذا الوباء مجرد وهم..! الباعة المتجولون عادوا الى عاداتهم يقتحمون الأزقة والشوارع والفضاءات العمومية، وحتى بعض الدروب التي توجد بها بؤر يحاول سكانها خرق الحجر كما حصل بحومة بن صالح، اما بسيدي يوسف بن علي فحدث ولا حرج، حركة المرور عادت أيضا الى نشاطها المعرف قبل الجائحة حيث اكتظت الشوارع بالسيارات …
لا حظت أن هناك لامبالاة لدى الناس، وأيضا هناك نوع من التراخي لدى الجهات المسؤولة..
هل هو العياء؟
هل هو الفقر ولابد من العمل؟
هل هو إحساس بأن الدولة لم تقم بما يجب أن تقوم به؟
هل هو ثقافة ان المكتوب على المرء هو المصير المحثوم؟
هذه الاسئلة وغيرها انتصبت علامات استفهامها أمامنا ونحن في جولة استطلاعية عبر امتدادات مراكش سواء العتيقة منها داخل السور او الاحياء الممتدة خارجها في كل الاتجاهات شرقا وغربا شمالا وجنوبا..
في حديثنا مع الناس في مختلف جهات مراكش التي زرناها امس الاثنين 15 يونيو 2020 انطلاقا من أبواب مراكش بطريق السويهلة مرورا بشارع المقاومة فشارع الزرقطوني بجليز ثم يعقوب المنصور وعرجنا في اتجاه شارع الحسن الثاني فباب دكالة تم باب الخميس وولجنا حي قشيش قرب مستشفى الأنطاكي فباب تاغزوت تم عنق الجمل فحي رياض العروس ثم شارع فاطمة الزهراء قبل اقتحام شارع محمد الخامس لنعرج نحو باب الجديد فشارع محمد السادس ثم شارع الحسن الثاني في اتجاه دوار العسكر فعين مزوار ثم أزلي وحي سوكوما ثم دوار إزيكي والعودة في اتجاه أحياء المسيرة الثلاث وحي الإنارة وتاركة.. وبمنطقة الأحباس بشارع العيون اكتظ الأدميون وعادت الحياة إلى شكلها العادي دون اكتراث بوباء كورونا وكأن مراكش مصنفة في المنطقة رقم 1..
قال لي احد السكان، هذا التصنيف والتقسيم ظالم، إما أن يطلق اللعب او يغلق الملعب..
قلت له لكن مراكش مازالت تسجل بشكل يومي الإصابة بالوباء وبأرقام عالية..
لم يستسغ جوابي وانصرف في حالة غصب..
اخر قال :
“جميل ما قامت به الدولة لكنه جمال غير مكتمل.. لأنها لم تراع للجانب النفسي خاصة لدى الأطفال.. وسيكون لها ما بعدها على نفسيتهم، ثلاثة اشهر من الاعتقال والإجراءات هي، هي، ليس هناك أي إبداع بل ليس هناك أي اطمئنان ، فرئيس الحكومة يخرج علينا بتصريحات تثير غضب الناس لأنه لا يعطي أية حلول ثم إن الناس لم تعد لها أية ثقة في هذه الحكومة..”
باستثناء المقاهي والمساجد والحمامات فمراكش عادت الى حياتها الطبيعية، وبعبارة اخرى لقد انتهى صبر المراكشيين فخرجوا بشكل تلقائي،قال احدهم:
“إلى بغات تجي الموت غير تجي.. راه الناس كتموت بالجوع”
وقال آخر:
” لم يعد هناك خوف كل المصابين حولوهم الى بن جرير..”
الواقع أن هناك بالفعل عياء، ولم تعد هناك قدرة لتحمل كل تلك الاجراءات الاحترازية، فالاستفادة من الدعم لم تكن كافية ولا منظمة ولا عادلة، والافلاس يصيب العديد من القطاعات ، والمحلات الصغيرة لم يعد أصحابها يستسيغون إغلاقها، قال أحدهم غاضبا:
” قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق، قطع الاعناق ولا قطع الأرزاق”
الواقع أن هناك خلل، هناك وضع ارتباكي بين عياء الناس والإجراءات التي تبدو للناس غير عادية..
مفهوم العيش والحفاظ على الحياة مختلف بين وجهة نظر الدولة ورؤية السكان الذين يحكمهم المنطق الديني والمنطق الشعبي أكثر من المنطق العلمي، فغالبية الناس تطرح فكرة” قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا” لكن في ذات الأمر يتحاشون من مفهومهم الديني ” خذوا حذركم” و ” لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة”..
المفهوم السائد هنا بمراكش هو الحرية اولا وبعدها فليأتي الموت.. لانه من غير المعقول في نظرهم أن يرى مواطنا أخر في جهة درعة تافيلات مثلا ينتقل من ميدلت الى زاكورة مرورا بالراشبدية وتنغير وورزازات، وهو في جهته لا يستطيع الفرار من صهد مراكش وحرارته الى اوريكة التي لا تبعد عنه الا بخمسين كيلومترا.. هذا الجانب جعل الكثيرين يحسون ب”الحكرة” حسب تحليلات الكثيرين ممن التقيناهم في جولتنا الاستطلاعية هذه.
القدرة إذن على تحمل الحجر ضعفت هنا في مراكش، واليأس من إجراءات المسؤولين سائد، وتقارير وزارة الصحة في العاشرة والسادسة مساء على القنوات العمومية، هي الشيء الذي يكرهه الناس، وغياب الوضوح من طرف الحكومة وضعف القدرة الشرائية وتوقف مردودية الدخل والرواج الاقتصادي ومشاهدة دولا فيها ارقام كبير ة من الاصابات بفيروس كورونا ومع ذلك اعادت الحياة الى شكلها الطبيعي كل هذه الأشياء جعلت الناس يخرقون كل حواجز الحجر، ولم تعد الإجراءات الاحترازية تشكل بالنسبة لهم أهمية.. لذلك فمراكش وقد تكون مدن أخرى على نفس النهج تنذر بشيء قد يكون مصيره مجهول في المستقبل.

error: