اعتبر رئيس جامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء أن الابتكار والقيمة المضافة ركيزتان لشراكة استراتيجية بين المغرب والصين، وقال لحسين زادوك، في معرض حديثه في افتتاح الندوة الدولية السابعة حول موضوع «على طرفي طريق الحرير»، المنظمة من طرف جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء وجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، أن العلاقات بين البلدين عرفت تطورا سريعا بحيث بلغت عدد الاتفاقيات ما يفوق 50 اتفاقية، مضيفا أن العمل المغربي الصيني المشترك، بما فيه التبادل الجامعي يسعى إلى بناء رؤية موحدة للمصالح الاستراتيجية بتوفير المقومات العلمية للتقدم.
وتحدث رئيس الجامعة عن مبادرة الحزام والطريق. وما تعنيه للمغرب، في عالم تتسارع فيه التطورات والتحديات المعقدة، وبعد »أن دخلنا حقبة تاريخية تتميز بالثورة العلمية الرابعة ومحورها الإبداع وخلق القيمة المضافة«، يقول الرئيس.. واعتبر المتحدث أن الصين حققت تقدما مهولا على كل المستويات العلمية في مجال الابتكار بما فيه جي 5 والدفع الرقمي واستثمارات الذكاء الاصطناعي والتقدم الكبير على مستويات تحديد الهوية من الصورة والصوت والتطبيقات اللغوية والترجمة . مقابل ذلك أشاد المتحدث ، في الجلسة التي أدار أطوارها الدكتور مصطفى الخيار ، بالتطور الكبير والتنوع الاقتصادي الذي دخله المغرب ضمن استراتيجية 2020 ، وتثمين مبادئ الاستمرار والاقتصاد الجديدين.
وتحدث الرئيس عن وجود 10 آلاف طالب مغربي بمعاهد كونفوشيوس طوال العقد المنصرم، إضافة إلى استفادة 40 ألف شخص من أنظمة الجامعة ذات الصلة بالتبادل مع الصين، مؤكدا أن هذه الندوة تندرج في إطار البناء المستمر للشراكة الاستراتيجية التي ربطت المغرب والصين منذ عقود، والتي شهدت تطورا سريعا، في ظل القيادة المستنيرة لجلالة الملك.
وأشار إلى أن هذا التقارب السريع والمتنوع ليس مفاجئا بين بلدين يتمتعان بحضارات عمرها قرون، ويحافظان على علاقات سياسية جيدة، مضيفا أن التغيرات العالمية المرتبطة بالثورة الصناعية الرابعة، والتي شكلها الابتكار والإبداع، تدعو إلى تعاون وثيق بين البلدين، وخاصة في مجالات الابتكار والتكنولوجيا.
من جهة أخرى، أشاد أزدوك، بمستوى التعاون بين الجامعات المغربية والصينية، الذي يتطور كل سنة، منذ توقيع اتفاقية التعاون بين المؤسستين سنة 2012 وإنشاء معهد كونفوشيوس الذي قام بتكوين حوالي 10 آلاف طالب.
وفي هذا الصدد نوه نائب رئيس جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، لين شيويلي، بحصيلة عشر سنوات من التعاون مع المؤسسة المغربية، معتبرا أن معهد كونفوشيوس، باعتباره منصة لتبادل الزيارات والنقاش الأكاديمي، وتنظيم منتديات حول التعاون بين البلدين، ساهم في تعزيز المعرفة المتبادلة.
وأضاف أن جامعة شنغهاي للدراسات الدولية تتوفر على العديد من المؤسسات المخصصة لتعلم اللغة العربية، داعيا إلى تعزيز التعاون والابتكار بين الأوساط الأكاديمية في المغرب والصين.
ومن جهته أكد سفير جمهورية الصين الشعبية بالمغرب، لي شانغ لين، أن النمو المستمر للاستثمارات الصينية بالمغرب يعكس تميز علاقات التعاون والتفاهم السياسي بين البلدين.
وأشار تشانغ لين، في كلمة له خلال الافتتاح، إلى أن الزيارة التي قام بها جلالة الملك محمد السادس إلى الصين سنة 2016 مكنت من الوصول إلى مستوى جديد في ما يخص التعاون بين البلدين، نتج عنه زيادة التعاون الاقتصادي ونمو الاستثمارات الصينية في القطاعات ذات الأولوية بالنسبة للمغرب.
وفي هذا الصدد، دعا إلى استلهام روح طريق الحرير القديم لتبني أفكار جديدة للتعاون، خاصة في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية، مسلطا الضوء على أهمية الدينامية الأكاديمية لتعزيز هذه الروابط.
وبعد أن ذكر بمختلف المبادرات الدولية التي أطلقتها الصين، بما في ذلك «مبادرة الحزام والطريق»، اعتبر الديبلوماسي أن التحديات والأزمات التي تواجه العالم تتطلب التعاون والعمل المشترك من جميع الدول.
وتميز هذا المنتدى، الذي نظم بمكتبة جامعة محمد السقاط، تحت شعار «المغرب والصين: الابتكار وخلق القيمة من أجل شراكة استراتيجية»، بعقد جلستين بغية تقديم وتحليل أعمال الخبراء والأكاديميين المغاربة والصينيين حول التبادلات الشاملة بين البلدين.

استراتيجية المشاعر في التعاون الجيوسياسي!

شهدت الصبيحة، تبادل النظر بين الطرفين المتباعدين المتقاربين من طريق الحرير والحزام، وكانت الجلسة الأولى قد عرفت مشاركة البشير ازناكي، الصحافي والزميل المسؤول سابقا عن الزميلة ليبراسيون.. الذي تناول كتابات فتح لله ولعلو، حول الصين في كتابيه «نحن والصين» أو «الصين والعولمة»، وافتتح مداخلاته بتأطير مقاربات الخبير الاقتصادي والوزير الاتحادي السابق بالقول إنه «انتمى إلى التحليل اليساري بدون أن ينصهر ويذوب في التحليل الماركسي الجامد»، وقال الزناكي إن ما يستشف من متابعات فتح لله هو اهتمامه الأصلي بالتبعية الاقتصادية للدول النامية والارتباط بالرأسمال، وهو ما يجعله يرى في القفزة الصينية مصدر إعجاب، واهتم بذلك بالطريقة التي نجحت فيها بتطبيق الإصلاحات الضرورية لذلك. وإذا كان ولعلو، حسب الزناكي، قد قرأ التجربة الصينية من خلال المعايير الغربية في البداية فإنه من بعد اهتم بالبعد الثقافي للتجربة الجديدة» ..
وكان من اللافت إشارة الزناكي إلى كون «فتح لله ينتمي إلى تجربة اليسار من خلال الاتحاد الاشتراكي، وهو من جيل بطبعه حال دون الاقتصاديين في المغرب لكي يكونوا هم واضعو السياسات الاقتصادية بقدر ما كان التكنوقراط المتخرجون من المدارس الهندسية ponts et chaussées الجسور والطرقات»!
أما الدكتورة ماري لونغ، مديرة معهد الدراسات الاستراتيجية ورئيسة مجلة متخصصة في الصين، فقد ركزت على الدافع الصحي في بناء القيم المشتركة «بين المغرب والصين … وأسهبت في مقاربة » استراتيجية المشاعر، في التقريب بين المغرب والصين، ومن ورائها الصين وإفريقيا.
وهي مقاربة جديدة، حسب السيدة فاطمة ايت موس، المديرة الجديدة لمعهد كونفوشيوس بالبيضاء ومسيرة الجلسة الأولى. تعتمد متابعة المشاعر والذكريات في بناء الجسور المشتركة عبر التاريخ«.
وتعددت مداخل المقاربة التي رافعت من أجلها المحاضرة، وتمثلت أساسا في نقل المشاعر، عبر السكك الحديدية والطب التقليدي والدفاع عن السلام.
في حين ذهب دينغ جون، مدير معهد الدراسات الاستراتيجية بجامعات شانغهاي، إلى الدفاع عن التبادل الحضاري، عبر القيم المشتركة والتبادل الشعبي. باعتبار «الحضارتين المغربية والصينية منبعا للعلوم» وما قدمته عادات السفر والتجارة، وما خلقته من جذر تحرري مشترك بين البلدين، ولم تخل مداخلة المتحدثة من التقاط السلبيات التي ما زالت تتبع العلاقة بين العرب والصينيين عموما، حيث «ينظر بعض الصينيين إلى العرب بعين باردة وسلبية ويظنون أن العرب ليس لهم سوى البترول والصحراء، والعرب ينظرون إلى الصين نظرة الريبة والشك، كما أن التبادل الدراسي ما زال في مستويات ضعيفة بين البلدين، يقول المتحدث، في حين نجد «أن التواصل الإعلامي تنقصه المنهجية والاستقلالية». واشتكى الإطار الأكاديمي الصيني من «وجود عدة عوائق تعرقل التبادل ومنها هيمنة الخطاب الغربي بكون الصين تشكل تهديدا كما يشكله الإسلام»، واقترح لتجاوز ذلك توسيع مجالات التبادل الإنساني والثقافي والرفع من وتيرة الزيارات العالية المستوى، وترجمة أمهات الكتب المغربية والصينية، ولعل من الأشياء الجديدة دعوته إلى «تفعيل دور العلماء في توثيق التفاهم والارتباط الوجداني» مع ما يرافق ذلك من إنشاء آليات ومنصات تساعد على الحوار بين الحضارات.
وعرفت الجلسة الثانية تدخلات ساهم فيها كل من عبد الحميد جماهري حول كتابه «ذهبنا إلى الصين وعدنا من المستقبل»، والطيب بياض حول «مذكرات أكاديمي مغربي حول الصين»، والدكتور الصيني وانغ يويونغ من جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، الذي قدم مداخلته باللغة العربية.

مراسلة خاصة