أفاد التقرير الأخير الذي أصدره مجلس المنافسة على هامش الدورة 16 للملتقى الدولي للفلاحة بمكناس، أن القطاع الفلاحي يستهلك خمس مليارات متر مكعب من المياه على أساس سنوي، غير أن الجفاف والتحديات المائية أدت إلى تقلص حجم الاستهلاك إلى نحو مليار متر مكعب.
وأوضح مجلس المنافسة في رأي له حول وضعية المنافسة في أسواق الخضر والفواكه بالمغرب، أن هذا الحجم تراجع في السنوات الأخيرة بالنظر إلى التحديات المائية التي يواجهها المغرب. وبحسب الرأي ذاته، ووفقا للمخطط الوطني للماء يستهلك القطاع الفلاحي عادة خمس مليارات متر مكعب مـن المياه على أساس سنوي، إلا أنه منذ سنة 2008، لم يتجاوز هذا التخصيص 3.5 مليار متر مكعب، حتى خلال السنوات الجيدة.
وأضاف المجلس في الرأي نفسه، أنه في سنة 2021 انخفضت هذه الحصة إلى 1.22 مليار متر مكعب فقط، مقارنة بــ 1.02 مليار متر مكعب في السنة الفارطة. وأشار إلى أن من بين 750 ألف هكتار مروية بالحزام الهيدروليكي ( السدود)، لم تصل المساحة المسقية الآن سوى 400 ألف هكتار أي بانخفاض قدره حوالي 45 في المائة، استنادا إلى أرقام وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات. ويعود هذا التراجع الجذري على وجه الخصوص في استخدام المياه إلى التقنين الحالي، الذي يمنح الأولوية لتوفير الماء الصالح للشرب على حساب قطاع الخضر والفواكه.
وفي هذا الصدد فإن بعض السدود التي كانت مخصصة في وقت سابق للري الفلاحي توفر اليوم الماء الصالح للشرب. ويعكس هذا التحول التحديات المائية التي تواجهها المملكة وما تفرضه من ضرورة إيجاد حلول مستدامة لضمان الوصول إلى الماء الشروب مع الحفاظ على الاحتياجات الفلاحية.
ويرى الدكتور محمد الطاهر السرايري، الأستاذ الباحث في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، أن هناك حاجة ملحة لمراجعة السياسات العامة المتبعة حاليا في القطاع الزراعي، والقائمة على الاستعمال المفرط للموارد المائية، خصوصا تلك المعبأة من المصادر الجوفية.
واعتبر الأستاذ السرايري، في حديث ليومية «الاتحاد الاشتراكي» أن بعض الزراعات التي شهدت طفرة كبرى في الإنتاج في إطار المخططات الزراعية المتبعة منذ 15 عاما، تستلزم اليوم إعادة النظر في ظل الوضعية المائية الخطيرة التي تشهدها البلاد، والتي لم تعد تسمح بهدر الثروات المائية المتضائلة، سنة تلو أخرى.
وقال الدكتور السرايري «ليس أمامنا الكثير من الخيارات، الخصاص المائي الراهن يلزمنا بوضع حد لجميع الزراعات المستهلكة للمياه بشكل مفرط، وحتى إذا رفضنا هذا الخيار، فإن الطبيعة هي التي ستفرض علينا الرضوخ للأمر الواقع».
وأعطى الخبير الفلاحي المثال ببعض الزراعات التي وقفت اليوم أمام الباب المسدود، كما هو الشأن لزراعة الحوامض بجهتي سوس وملوية، حيث أدى الاعتماد المفرط على المياه الجوفية لسقي عشرات الآلاف من أشجار الحوامض إلى استنزاف المخزونات الجوفية التي لم تعد تتجدد بفعل توالي سنوات الجفاف، وها نحن اليوم نرى كيف أصبح العديد من المزارعين بالمنطقة يقتلعون أشجار الحوامض من حقولهم بعدما أصبحوا عاجزين عن استخراج ما يكفي من المياه لسقيها. « وهذا ما يؤكد، حسب السرايري، أن الطبيعة في النهاية هي التي تقول كلمتها».
ونفس السيناريو ينسحب على البطيخ الأخضر (الدلاح) الذي زرعت منه خلال السنوات الأخيرة مساحات شاسعة بواحات زاكورة وطاطا وحتى شيشاوة، حيث تم هناك أيضا استنزاف الفرشة المائية للمنطقة، عبر استخراج المياه بمضخات لا تتوقف ليل نهار، ما أصبح في وقت ما يهدد بنفاد مياه الشرب التي تحتاجها الساكنة.
ولا يختلف الأمر حين يتحدث الخبير الزراعي عن فاكهة الأفوكادو، هذه النبتة الاستوائية التي تنبت عادة في المناطق المطيرة ذات التساقطات العالية التي تتجاوز 1500 ملم للسنة، والتي استثمر المزارعون المغاربة في إنشاء مئات الضيعات لإنتاجها وتصديرها، في مناطق لا تتعدى فيها التساقطات السنوية معدل 600 ملمتر في السنة، مما يعني سقيه بصفة منتظمة طيلة الصيف، لما تكاد الحرارة تتجاوز أحيانا 40 درجة مئوية، و قد يشكل هذا تهديدا حقيقيا لإنتاجيته ، معتمدين على المياه الجوفية المستخرجة من ثقوب عميقة في الأرض بتقنيات تنتمي لمجال التنقيب عن الهيدروكربورات.
وحذر الدكتور السرايري من أن النظام الاقتصادي القائم على هذا النوع من الأنماط الزراعية يوشك أن ينهار إذا لم تتم مراجعة هذه الاستراتيجيات الزراعية من منظور ضمان الاستدامة المائية وليس من منظور تحطيم الأرقام القياسية في مجال التصدير.