‮‬عبد الحميد جماهري يكتب عن.. رياح طهران وباريس وبريتوريا‮ ‬والسفينة المغاربية‮ ‬

34٬216

عبد الحميد جماهري

هناك اليوم‮ ‬ثلاث عواصم على الأقلّ‬،‮ ‬من ‬ثلاث قارّات‮ ‬متباعدة جغرافياً و‬جيوسياسياً، وحتّى‮ ‬أيديولوجياً،‮ ‬تتوجّه إليها دول المغرب الكبير وشعوبه،‮ ‬لما‮ ‬لها من تأثير في المناخ ‬واتجاهات ‬رياحه في ‬المنطقة‮. ‬العواصم‮ هي‮ ‬باريس وبريتوريا وطهران‬،‮ ‬ولها في‮ ‬تقلّبات المزاج المغاربي‮ ‬نصيب،‮ ‬بهذا القدر وذاك، حسب السياق، وحسب طبيعة العلاقة الآنية، وبناءً على السوابق الديبلوماسية مع المغرب الكبير‮.‬
في‮ ‬جنوب أفريقيا‬،‮ ‬التي‮ ‬تُعدّ قوّةً أفريقية وازنة‮ ‬بطموح مُعلن لكي‮ ‬تكون قوّة إقليمية‮ ‬ورائدة قارّية‬،‮ ‬والمخاطب الرئيسي‮ ‬دولياً‬،‮ ‬حظيت آخر الانتخابات، ‬وما انتهت إليه‮ ‬من تحالف حكومي‮ ‬جديد بمتابعة دقيقة‮ ‬من دول المغرب‮ ‬الكبير، وخصوصاً البلدَين الكبيرَين فيه؛ ‬المغرب والجزائر، ‬تكشف إلى أيّ‮ ‬حدّ تؤثّر رياح الصناديق الجنوب أفريقية في‮ ‬تحديد المزاج السياسي‮ المغاربي‮. ‬في‮ ‬فرنسا الشيء نفسه، ‬على أساس أنّ ما ستسفر عنها انتخابات الشهر الحالي (يونيو/ حزيران)‮ ‬ستحدّد كثيراً من مناخات العمل والعلاقات،‮ ‬منذ أظهرت الانتخابات الأوروبية‮ ‬تراجعاً كبيراً لحزب الرئيس إيمانويل ماكرون،‮ ‬وتقدّماً كبيراً على حسابه لقوى اليمين المُتطرّف بقيادة الجبهة الوطنية، التي‮ ‬تتزعّمها مارين لوبان. ‬ثالث‮اً، توقّعات السياسة الخارجية الإيرانية في‮ ‬الاستعدادات المقبلة التي تحضر بدورها في‮ ‬عواصم المغرب‮ ‬الكبير،‮ ‬منذ رحيل الرئيس إبراهيم رئيسي‮ ‬ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، ‬وانطلاقاً من مسلسل البحث عن خليفة آية الله علي‮ ‬خامنئي‮.‬

المغاربة‮‬‮ ‬الذين تابعوا عن كثب ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬بريتوريا‮ ‬كانوا‮ ‬ينتظرون ‬اندحار هيمنة المؤتمر الوطني‮ ‬الأفريقي

‬ولعلّ القرب‮ ‬يفرض نفسه في‮ ‬البدء،‮ ‬بتحليل آثار الانتخابات الفرنسية المقبلة على توازنات المغرب الكبير،‮ ‬وأهمّ ما‮ ‬يمكن أن‮ ‬يُقلق في‮ ‬صعود اليمين المُتطرّف مآل الجالية المغاربية‮‬،‮ ‬باعتبار أنّ معادلات الفوز والخسارة تبني‮ ‬على قواعد تهمّ المغرب الكبير، ومنها‮ مطاردة الأجانب،‮ ‬ويمثّل المغاربيون‮ منهم 05% (‬من مجموع المهاجرين‮)،‮ ‬مع تفاوت بين الجاليات وأصولها‮ في سجلّ الحرّيات الإنسانية‮ ‬التي‮ ‬تشملهم. ‬كما‮ ‬يوجد أبناء المغرب الكبير ‬في‮ ‬مرمى السياسات التي‮ ‬تبشّر بها أحزاب اليمين‮، ‬واليمين المُتطرّف، لإرضاء جزء من ناخبيهم، والقائمة على التلويح بخطر الإسلام وأسلمة أوروبا أو ما صارت‮ ‬تُعرف بنظرية‮ “‬الاستبدال”‬،‮ ‬أي استبدال شعوب أوروبا بجاليات مسلمة‮ (!) ‬ومن سوء الحظّ أنّ الاتفاق حاصلٌ في‮ ‬التحليلات والأبحاث السوسيولوجية والسياسية،‬ ‬طوال العقد الأخير، بأنّ‮ ‬الصعود الحتمي‮، ‬تقريباً، لليمين المُتطرّف، مرتبط بـ”‬رهانات بنيوية ذات صلة بالهُويّة والتطوّر متعدّد الثقافات في‮ ‬المجتمعات الحديثة”، على‮ ‬حدّ تعبير جيل إيفالدي، ‬من المركز الوطني‮ ‬الفرنسي‮ ‬للأبحاث العلمية، ‬والخبير في‮ ‬الأحزاب اليمينية المُتطرّفة والظاهرة الشعبوية في‮ ‬أوروبا‮. ولعلّ الجوار المغاربي‮، ‬من ليبيا ‬إلى موريتانيا، مرورا‮ً ‬بتونس ‬والمغرب والجزائر‮، ‬مفروضٌ عليه أن‮ ‬يتّخذ هذا التنامي‮ ‬بجدّية أكبر من‮ ‬الوضع الحالي،‮ ‬لكنّ الواقع أنّ المقاربات ‬تظلّ فردانية،‮ ‬إن لم تكن تنافسية، حتّى في‮ تدبير (تسيير) ‬المشترك الديني‮ ‬في‮ ‬باريس مثلاً،‮ ‬والذي‮ ‬يشكّل حطب نيران اليمين. ‬وعليه، يجعل الواقع السياسي، ‬الذي‮ ‬سيتحدّد حسب بوصلة الناخب،‮ ‬المغرب الكبير معنيّاً مباشرة‮ ‬بخصوص السياسة التي‮ ‬ستباشرها القوّة السياسية‮ ‬اليمينية المقبلة‮، سواء ‬تعايشت مع الرئيس الحالي‮ ‬أو دفعته إلى الاستقالة قصد إجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها،‮ ‬في‮ ‬حال فوزها الواضح،‮ ‬كما تذهب إلى ‬ذلك استطلاعات الرأي‮. ‬وما‮ ‬يقلق قطاعاتٍ واسعةً في‮ أوساط المهاجرين والمتتبّعين، وما‮ ‬يشغل المغاربيين ‬منهم على وجه الخصوص، أنّ دولهم‮ ‬لم تجد الحدّ الأدنى‮ ‬العملي‮ ‬أو المعنوي‮ ‬للتصرّف كتلاً واحدة. ‬وعليه،‮ ‬لم‮ ‬يصنعوا سياستهم مع الصعود اليميني،‮ ‬وهذا الصعود‮ ‬هو الذي‮ ‬سيصنع سياساتهم‮ (!) ‬
والمغرب الكبير‮ ‬شريك كبير لأوروبا،‮ ‬ولفرنسا بالذات،‮ ‬كما أن للأخيرة استراتيجيات خاصّة، سواء بالنسبة إلى كل من تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا أو بالنسبة‮ إلى ‬ليبيا منذ أيام معمّر القذّافي‮. وبالتالي،‮ ‬المغرب الكبير‮ ‬مجالها الحيوي،‮ ‬ولعلّه الأخير،‮ ‬الشيء الذي‮ ‬يجعل كلّ القوى السياسية تنظر إليه نظرة أولوية وتأثير،‮ ‬وجزء كبير من السياسة الخارجية الفرنسية ستصنعه المقاربات التي‮ ‬سيمليها فهمها للمغرب الكبير‮. ‬وهو ما‮ ‬يجعل العواصم المغاربية تنتظر النتائج،‮ ‬وبالتالي‮، ‬لكلّ تصويت فرنسي‮ انعكاساته المغاربية، ‬وغير خافٍ‮ ‬أنّ النخب‮ ‬تتابع‬،‮ ‬في‮ ‬هذا البلد أو ذاك، عن كثب، متغيّرات السياسة الداخلية،‮ ‬ويتمّ تشريح المواقف والعودة إلى خلفيات كلّ زعيم‮ ‬يميني‮ ‬يتقدّم المشهد‮. ‬حصل ذلك مع جورجيا ميلوني،‮ ‬اليمينية‮ في‮ ‬إيطاليا، ‬التي‮ ‬استرجعت شبكاتُ التواصل الاجتماعية، المناصرة للانفصاليين، صورها وهي‮ ‬تدعم “بوليساريو” قبل أن تفرض عليها الدولة منطقها في‮ ‬التعاون الجيوسياسي‮. ‬ويحدُث ذلك مع مارين لوبان، وفريقها في‮ ‬فرنسا، الذي‮ ‬لا‮ ‬يُخفي‮ ‬معاكسته سياسات الدولة الجزائرية‮. ‬وغير خافٍ، كذلك، أنّ العواصم المغاربية‮ ‬تختلف انتظاراتها من النتائج التي‮ ‬ستسفر عنها الانتخابات الحالية في‮ ‬باريس‮.‬

تطبّع إيران علاقتها مع جنوب أفريقيا للعب دور ‬في‮ ‬شمال أفريقيا والساحل،‮ ‬باعتبارهما مناطق حيوية للمغرب الكبير

الشيء‮ نفسه‬‮ ‬يتحدّد في‮ ‬جنوب أفريقيا، فالمغاربة‮‬‮ ‬الذين تابعوا عن كثب ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬بريتوريا،‮ ‬كانوا‮ ‬ينتظرون، على أمل كبير‬،‮ ‬اندحار الهيمنة التي‮ ‬فرضها المؤتمر الوطني‮ ‬الأفريقي،‮ ‬وهي‮ ‬هيمنةٌ لم تكن في‮ ‬مصلحة المغرب‮‬،‮ ‬منذ صارت جنوب أفريقيا راعية لجبهة البوليساريو الانفصالية، بل تجاوزت‮ الشقيقة الجزائر، أحياناً، في‮ ‬التبنّي‮ ‬والدعم‮. وإذا كانت العلاقة بين الجزائر‮ ‬وبريتوريا ظلّت في‮ ‬مستوىً‮ ‬يثمّنه الطرفان،‮ ‬فإنّ هناك تباينات في‮ ‬مسار العلاقة بين المغرب وجنوب أفريقيا تفرض نوعاً من التأريخ لها،‮ ‬فقد ظلّت جنوب أفريقيا، وطوال سنوات نيلسون مانديلا، ثمّ بعد مجيء تابو مبيكي‮‬،‮ و‬في‮ ‬بداية ولايته،‮ ‬غير متحمّسة للاعتراف بالجمهورية المعلنة في‮ ‬تندوف ‬فوق التراب الجزائري،‮ ‬ولم‮ ‬ينسَ مانديلا ورفاقه ما قدّمه‮ ‬المغرب لقضيتهم،‮ ‬وما زالت فيديوهات الاستقبال الحار والكبير الذي‮ ‬خصّصه ل‬وزير الشؤون الأفريقية، في‮ ‬الستينيات، عبد الكريم الخطيب، رحمه الله!‮ ‬حاضرة في‮ ‬الشبكات التواصلية، ‬لمّا احتفل به مانديلا في‮ ‬ملعب كرة القدم، وقدّمه في‮ ‬حفل تنصيبه في‮ إبريل/ نيسان‮ ‬1994‮ ‬صديقاً لثورة‮ ‬ألوان الطيف‮. لكنّ الوضع تغيّر مع مطلع سنة‮ ‬0002‬، مع مجيء الرئيس جاكوب زوما وزوجته، التي‮ ‬قادت الجناح الأكثر عداء للمغرب في‮ ‬السياسة‮ ‬والديبلوماسية لحسابات داخلية. ‬ولطالما تواجَه المغرب مع جنوب أفريقيا،‮ ‬في‮ ‬حين نسّقت‮ ‬شقيقته الجزائر عملها‮ ‬معها في‮ ‬أفق محاصرته، ‬وهذه المعادلة قد تتغيّر‮. ‬ومن المفارقات أنّ الصحافة الفرنسية هي‮ ‬التي‮ ‬تنبّأت،‮ ‬قبل الانتخابات، بأنّ فقدان المؤتمر الوطني‮ ‬للهيمنة سيكون في‮ ‬مصلحة الرباط، إذ حصد الحزب في‮ ‬الانتخابات العامة التي‮ ‬جرت في‮ ‬29‮ ‬مايو/ أيّار‮ ‬الماضي‮ 04% من الأصوات،‮ ‬ليخسر بذلك الأغلبية المطلقة في‮ ‬البرلمان للمرّة الأولى منذ‮ ‬4991، وحدث أن‮ّ ‬تطوّرات الوضع جاءت بالتحالف الليبرالي‮ ‬إلى سدّة الائتلاف الحاكم‮. ‬وهو تحالفٌ لا‮ ‬يعادي‮ ‬المغرب،‮ ‬كما أنّه‮ ‬يعتبر مُقرّباً من الغرب، وعضواً في‮ ‬الليبرالية الدولية التي‮ ‬تضمّ أحزابا مغربية‮‬،‮ ‬بعضُها جزءٌ من الحكومة الحالية‮. ‬وفي‮ ‬حين‮ ‬يترقّب المغرب تطوّرات الوضع،‮ ‬لم تقدّم الجزائر سبباً لغياب ممثّلين رسميين‮ ‬لها،‮ ‬من مستوياتٍ عليا،‮ ‬كما هي‮ ‬العادة، إلى حفل تنصيب الرئيس الجديد رامافوزا‮. ‬ولعلّ السبب‮ قد‮ ‬يكون في‮ ‬عدم دعوة زعيم الانفصاليين إبراهيم‮ ‬غالي،‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يُفرش له السجاد‮ ‬الأحمر ويستقبل استقبال الرؤساء‮.‬
ويعدّ حزب التحالف الديمقراطي‮ ‬ثاني‮ ‬أكبر حزب سياسي‮ ‬في‮ ‬جنوب أفريقيا بعد المؤتمر الوطني‮ ‬الأفريقي‮ ‬الحاكم،‮ ‬أنّ تعزيز علاقات التعاون بين المغرب وجنوب أفريقيا،‮ ‬وهما قوّتان أفريقيتان وازنتان،‮ ‬يشكّل مصدر قوة رئيس ‬للقارّة جمعاء. وسبق للمتحدّث باسم الحزب في‮ ‬قضايا السياسة الخارجية‮ ‬ستيفنز موكغالابا، أن قال إنّ في وسع المغرب وجنوب أفريقيا،‮ ‬باعتبارهما من أكبر الاقتصادات في‮ ‬أفريقيا،‮ ‬أن‮ ‬يضطلعا بدور القاطرة في‮ ‬تعزيز التكامل في‮ ‬القارّة‮.‬ على كلّ، تهبّ رياح جنوب أفريقيا بقوّة على المغرب الكبير،‮ ‬والتغيرات التي سيفرضها وجود تحالف متعدّد الأجنحة ستحدّد أجندة داخلية أكثر ملحاحية‮ ‬على القيادة القادمة‮.‬
‮‬وفي‮ ‬المثلث الخارجي،‮ ‬ذي‮ ‬التأثير المغاربي،‮ ‬تحضر إيران،‮ ‬كذلك، التي ‬بدأت تطبّع علاقتها مع جنوب أفريقيا، ومحاولتها لعب دور محوري‮ ‬في‮ ‬شمال أفريقيا والساحل،‮ ‬باعتبارهما مناطق حيوية للمغرب الكبير‮. ‬بالنسبة لإيران‬،‮ ‬لا أحد‮ ‬يمكنه أن‮ ‬ينتظر الأمل من تحرّكات طهران في‮ ‬المغرب الكبير. ‬ولعلّ الحقيقة الجغرافية‮ ‬أنّ سياسة إيران لا تتغيّر ‬من ناحية أنّها لا تجد‮ ‬تربة خصبة لها‮ ‬إلا في‮ ‬الفضاءات الجيوسياسية‮ ‬التي تكون الدولة فيها منهارة ‬أو منعدمة أو في‮ ‬حالة حربٍ أو في‮ ‬طور التشكل المهزوز،‮ ‬ولنا في‮ ‬الشرق الأوسط خريطة واضحة للطريق‮ ‬الشاقّة التي‮ ‬تريدها إيران‮. ‬ولعلّ التوجه نحو تونس، ‬الموجودة في‮ ‬حالة احتضار ‬مؤسّساتي‮ ‬واضحة، وعسر في‮ ‬التنفّس الاقتصادي،‮ ‬هو في‮ ‬الواقع بداية لانهيارها،‮ ‬ولكن بالنسبة لطهران، وبالخصوص روّادها في‮ ‬تصدير الآثار ‬المدمّرة للثورة، ‬هي‮ ‬فرصة لتضع قدمها علانية في‮ ‬دولة مغاربية والتحرّك‮ ‬لمناكفة الدول التي‮ ‬تعاديها، كما هو حال المغرب، وللضغط على موريتانيا لإيجاد موطئ قدم في مشارف الساحل وجنوب الصحراء‮. ‬وليس من شأن نشاطها في‮ ‬التراب التونسي‮ ‬أو في‮ ‬التراب الجزائري‮ ‬مثلاً أن‮ ‬يطمئن الجيران المغاربيين الآخرين،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن تصوّر تطور إيجابي‮ ‬بحضور هذه المعادلة في‮ ‬العلاقات المغاربية.

قد تنتبه إيران إلى‮ ‬استحالة خوض حروبٍ في‮ ‬جبهة أفريقية مغاربية بعيدة عن مرتكزاتها الحربية في‮ ‬الشرق الأوسط

قد‮ ‬يكون هناك أمل صغير في‮ ‬أن‮ ‬يتغيّر اليمين مع السلطة،‮ ‬باعتبار‮ ‬قوة المؤسّسات في‮ ‬أوروبا، ‬ووجود سلطات مضادّة وشعوب مسيّسة، وإن كان هذا الرأي‮ ‬ليس سائداً للأسف، ونظراً إلى أنّ‮ ‬قواعد السلوك ليست كلّها مكتوبة،‮ ‬لكنّ الذي‮ ‬قد‮ ‬يفرض نوعاً من التروّي‮ ‬هو الحقائق السياسية والاجتماعية،‮ ‬وقد تسعفنا تطوّرات الديمقراطية الجنوب أفريقية في‮ ‬تغيير بريتوريا من طبيعة حضورها في‮ ‬سياسات دول المغرب الكبير‮‮ ‬نحو أفضلية بناء شريك شمال ـ أفريقي‮ ‬متكتّل‮ ‬وتخفيف حدّة المواجهات في‮ ‬الساحة الأفريقية‬،‮ ‬كما قد لا نستبعد أن تنتبه إيران إلى‮ ‬استحالة خوض حروبٍ جديدة،‮ ‬ولو بكفالة، في‮ ‬جبهة أفريقية مغاربية بعيدة كلّ البعد عن مرتكزاتها الحربية في‮ ‬الشرق الأوسط، والاكتفاء بالدعاية‮ (‬البروباغاندا‮)‬، ‬لكنّ الثابت أنّ الانتظارية لم تعد سالكة في‮ ‬وضعٍ كهذا،‮ ‬بحيث صار من المطلوب أن تستفز السلطاتُ‮ ‬الجديدة‮ في‮ هذه العواصم أصحاب‮ ‬القرار المغاربي‮ كلّها، ‬من أجل أفقٍ مغاربيٍّ ‬مغايرٍ لما هو موجود‮. ‬والأمر صعب للغاية،‮ ‬سيّما أنّ كلّ المحاولات من أجل تلطيف الأجواء‮ (‬كما هو حال اليد الممدودة‮ للملك محمد السادس والوساطات العربية‮) ‬لم تلقَ صداها المطلوب،‮ ‬في‮ ‬وقت هناك دعوات إلى‮ “‬نسيان البناء المغاربي”‬،‮ ‬عند جزء مُهمّ‮ من النخبة.

error: