تتويج “موسم أبي يعزى”، في إقليم خنيفرة، بندوة علمية حول التصوف وأهميته في تعزيز الرأسمال اللامادي

35٬143
  • خنيفرة: أحمد بيضي
بعد تعليق فعاليات “موسم الولي الصالح أبي يعزى”، بسبب جائحة كورونا، والتي حملت عام 2019 شعار “التصوف: من بناء الإنسان إلى تحقيق العمران”، تم استئناف التظاهرة هذا العام 2022 تحت شعار “قبائل حد بوحسوسن …فضاء للإشعاع الروحي والثقافي ودعامة للرأسمال اللامادي، عاشت خلاله المنطقة، في الفترة الممتدة من 21 الى 27 مارس 2022، موسمها السنوي بما يحمله من طابع روحي تصوفي جعل منه ملتقى دينيا وحضاريا وثقافيا، وفاتحا للأبحاث التاريخية في طقوسه التي يرجع تاريخها إلى قرون طويلة.
وتميزت التظاهرة هذه السنة باختيار منطقة مولاي بوعزة “مركزا صاعدا”، وبتقديم بطاقة تقنية في إطار البرنامج الوطني للتنمية المندمجة المتعلق بتحديد المراكز القروية الناشئة والمصادق عليها، من بينها 13 مركزا على مستوى الإقليم، منها 8 مراكز جرى اقتراحها بمعية طلبة المعهد الوطني للتهيئة والتعمير، و5 بمعية مكتب الدراسات “إيرام أنتير”، حيث تبلغ التكلفة الإجمالية لمركز مولاي بوعزة 690 مليون درهم، على 3 أشطر، تتعلق بتهيئة وتجهيز البنى التحتية والمرافق والخدمات الأساسية.  
ذلك في أفق تنزيل اتفاقية تعاون مغربي فرنسي تهم دعم مشروع تنمية مركز مولاي بوعزة، على خلفية زيارة عمل قام بها، عام 2019، وفد من إقليم خنيفرة لمدينة لوردز الفرنسية، وهي المدينة الشهيرة عالميا، بعد الفاتيكان وكنيسة غوادالوبي بالمكسيك وكنيسة أباريسيدا بالبرازيل، لكونها مزارا للكاثوليك منذ عام 1858، وباستقبالها في 20 غشت من كل عام لملايين الحجاج والزوار من كل بقاع العالم، لإقامة وممارسة طقوسهم على شاكلة ما تحمله منطقة مولاي بوعزة من موروث روحي وثقافي يجعلها نقطة عالمية للسياحة الروحية، الجبلية والثقافية.    
وبتنسيق وتعاون مع المجلس العلمي المحلي لخنيفرة، احتضنت إحدى فضاءات مولاي بوعزة، صباح يوم السبت 26 مارس 2022، أشغال ندوة علمية تحت عنوان “التصوف وأهميته في تعزيز الرأسمال اللامادي للأمة المغربي”، في حضور الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، د. محمد يسف، وعامل الإقليم، محمد فطاح، إلى جانب رؤساء المجالس العلمية المحلية لجهة بني ملال خنيفرة، ومنتخبين وبرلمانيين عن الإقليم، ورؤساء مصالح أمنية وخارجية، علاوة على ثلة من الفاعلين المدنيين والجامعيين والباحثين في مجال  التصوف.
وقام بتسيير وإدارة الندوة رئيس المجلس العلمي المحلي لخنيفرة، د. المصطفى زمهنى، وشارك فيها الأمين العام للمجلس العلمي بمداخلة في موضوع: “المدرسة المغربية في التربية والإصلاح: أبويعزى نموذجا”، ورئيس المجلس العلمي المحلي لبني ملال، ذ. سعيد شبار، بورقة حول “التصوف والتربية على القيم: أي علاقة”، ثم عضو خلية شؤون المرأة وقضايا الأسرة والطفولة بالمجلس العلمي المحلي لخنيفرة، الباحثة ذة. سعيدة الفقير، في موضوع: “التصوف وأهميته في التنمية”.
وقد افتتحت الندوة بكلمة رئيس المجلس العلمي المحلي، د. المصطفى زمهنى الذي تناول ضمنها “مدى حاجة البشرية اليوم إلى ثقافة التصوف لأجل معالجة ادواء عصرنا الذي أجمع الباحثون على أن أزمته هي أزمة اخلاق”، إذ على الرغم مما حققه العالم من ثورة تكنولوجية ومعلوماتية هائلة، فإنها، في المقابل، يضيف د. زمهنى، “أثرت على منظومة القيم إلى حين أطغت النفعية المادية الاستهلاكية وأذكت التنافس على طلب شهوة المال والسلطة والرفاهية”، وروجت ل “ثقافة ترف أناني مجحف ارهق المجتمعات بتداعياته الروحية والنفسية والاجتماعية”.
وبينما أبرز د. زمهنى “حال عصرنا مع مشاكل الاضطراب والفوضى وفقدان السكينة والأمن النفسي والروحي”، أكد على ما يحتاجه ذلك من “خلاص وعودة إلى الامداء البعيدة والعميقة في النفس والوجدان، والتماس التزكية بمنهج مؤصل، عقيدة وسلوكا، يرتقي بالإنسان نحو البناء والعمران”، و”لأن بلدنا بلد الأولياء، فإنه يلتمس أنوار الهداية من النبوة وورثتها من العلماء، ويسير على خطى الصالحين والأولياء الذين جعلهم الله أئمة في الدين وقدوة للعالمين، ويحرص على تخليد ذكر رموز التصوف ورجالاته باستصحاب مناقبهم وأخلاقهم”.
من جهته، انطلق فضيلة الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، د. محمد يسف، في مستهل مداخلته من التنويه بموضوع الندوة النابعة من “رؤية ملكية تولي اهتماما بالغا بمكونات الرأسمال اللامادي للأمة وبالتنمية الشاملة التي تنطلق في بلوغ أهدافها من استثمار هذا الرأسمال في النهضة والإصلاح والتربية وصيانة القيم”، قبل تركيزه على “ما ينعم به بلدنا من أمن واستقرار نابعين أساسا من اختيارات أهل هذا البلد المتمثلة في ثوابت كانت ولا تزال سفينة عبوره، وهي ثوابت تحرسها إمارة المؤمنين التي أضحت نظاما إسلاميا عريقا يتناغم فيه الدين والسلطان”.
كما لم يفت د. يسف التركيز على “روح التربية والإصلاح في المدرسة المغربية، من خلال نموذج الشيخ أبي يعزى يلنور”، مشخصا دلالة التصوف “كأحد أهم الركائز التي تقوم عليها إمارة المؤمنين، ومدى مكانة أبي يعزة في قيم الصوفية والروحانية الواجب التحلي بها في الوقت الحالي”، فيما عرج فضيلة المتحدث على ما تكتنزه بلادنا من “إرث غني بعلمائه وصلحائه، وبرصيده الصوفي المتجذر في عمق التاريخ الإنساني والروحي”، ومستشهدا في ذلك بالندوة وسعيها إلى ترسيخ المبادئ السمحة وإبراز أهمية التصوف المغربي في الإصلاح والتربية المواطنة.
ورحل المتدخل بجمهور الحاضرين في مناقب وكرامات أبي يعزة، كواحد من شيوخ التصوف ممن علموا أهالي المشرق مبادئ التزكية الروحية والوجدانية، باعتراف عدد من الباحثين تطرقوا لحياة ومناقب هذا الشيخ الذي وصفه د. يسف ب “الذي كان يحمل رسالة صوفية عظيمة وقامة من قامات أهل الصلاح”، شأنه شأن “باقي المشايخ الذين حملوا ما يكفي من الرسائل الدينية إلى كل بقاع العالم”، ومذكرا، في الوقت ذاته، بدلالات الجبل الذي اختاره أبو يعزى مستقرا له، في ربطه ذلك بالجبل الذي اختار منه الرسول عليه السلام انطلاق دعوته.
أما رئيس المجلس العلمي المحلي لبني ملال، ذ. سعيد شبار، فتناول، ضمن مداخلته القيمة، جوانب مما “ساهم به التصوف في ترسيخ قيم التضامن والتآزر والتسامح، وغيرها من القيم التي يتطلبها المجتمع في إرساء قواعد السلامة والتحصين”، وهو ما كان مدخلا تطرق منه المتدخل لما يسعى إليه موسم الولي الصالح أبي يعزى ب “اعتباره جزء أساسيا من مغذيات القيم الروحية”، دون أن يفوت المتدخل ذاته تناول شخصية أبي يعزى في علاقته بالجانب الديني والتصوف السني للمغرب، والمناقب التي طبعت شخصيته داخل المجتمع العام.
ومن جهتها تطرقت عضو خلية شؤون المرأة وقضايا الأسرة والطفولة بالمجلس العلمي المحلي لخنيفرة، الباحثة ذة. سعيدة الفقير، في مداخلتها حول موضوع “التصوف وأهميته في التنمية”، من أمثلة ونماذج مختلفة من سيرة ومناقب الشيخ أبي يعزى، مشددة فيها على “أهمية القيم والأخلاق المستمدة من المنظومة الإسلامية”، والتي يشكل التصوف “مظهرا من مظاهرها، في تحقيق التنمية الشاملة، التي لا يمكن أن تحصل إلا من خلال التعريف بالرصيد العلمي والثقافي للذاكرة الإقليمية والثروة المؤثثة لرأسمالها اللامادي”.
وموازاة مع فعاليات الندوة العلمية، سجلت المنطقة تنظيم معارض للمنتجات المحلية والتقليدية، وعروض وسباقات في الفروسية التقليدية، وبرامج فنية وأمسيات لفن المديح والسماع، قبل زيارة جماعية ورسمية لمقام ضريح الشيخ أبي يعزى الذي يعد من أبرز المعالم الدينية والثقافية بالجهة، وقد تم ذكر هذا الشيخ لدى عدد من المؤرخين والعلماء، مثل أبوالعباس السبتي في “دعامة اليقين”، وابن الزيات التادلي في “التشوف”، والتميمي في “المستفاد”، والصومعي في “المعزى، وأحمد التوفيق في “التاريخ وأدب المناقب” وبنمصور في “أعلام المغرب”، وغيرهم.
error: