فاعلون في الحقوق والفقه والقانون يشاركون في ندوة ترافعية، بخنيفرة، حول رهانات تعديل مدونة الأسرة

219٬892
  • أحمد بيضي
لم تتخلف “جمعية أنير للتنمية النسوية والتكافل الاجتماعي”، بخنيفرة، عن الانخراط في دينامية النقاش الوطني الدائر حول متطلبات تعديل مدونة الأسرة، بتنظيمها لندوة ترافعية حول “مدونة الأسرة ورهانات التعديل”، وذلك مساهمة منها في تشخيص مكامن اختلالات المدونة الحالية وسبل إصلاحها، على ضوء دعوة الملك محمد السادس، في خطاب العرش ليوم 30 ‏يوليوز 2022، إلى مراجعة القانون المنظم للأسرة، في سبيل تجاوز ما أسماها بالاختلالات التي أظهرتها ‏التجربة العملية لهذا القانون الذي تم تعديله آخر مرة عام 2004، والتي تلتها مطالب قوية من لدن العديد من الهيئات والمنظمات بمراجعتها انسجاما مع دستور 2011 ومسايرة تحولات المجتمع المغربي.
الندوة التي جرى احتضانها ب “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، تمت بمشاركة ذة. عائشة لخماس (مناضلة باتحاد العمل النسائي)، في موضوع “من أجل تغيير شامل لمدونة الأسرة”، ذ. أحمد بيضي (إعلامي وعضو اللجنة الجهوية لحقوق الأنسان)، في موضوع “مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول تعديلات مدونة الأسرة”، ذ. عباس أدعوش (رئيس المجلس العلمي المحلي لخنيفرة)، في موضوع “محددات ومنطلقات مدونة الأسرة”، ذ. امحمد أقبلي (أستاذ جامعي ومحامي)، في موضوع “استلام مدونة الأسرة المغربية لعام 2004 بموجب القانون الفرنسي”، ود. خاليد حجيرت (طالب باحث بسلك الدكتوراه)، في موضوع “نسب الحمل الناشئ أثناء الخطبة”.
وبينما تميزت الندوة بتسييرها من طرف المناضلة النسائية، وعضو فيدرالية رابطة حقوق النساء، ذة. نورة المنعم، جرت في حضور نوعي من الطلبة والفاعلين المدنيين، والمهتمين بالقضايا النسائية، والمشتغلين في الحقل الجمعوي، الحقوقي، القانوني والتربوي، وسجلت نقاشات ومقترحات من المنتظر أن تعتمد عليها الجمعية المنظمة في توصياتها التي سترفعها للجهات المعنية بمراجعة المدونة، فيما طرحت عدة إشكالات لا تقل عن تداخل المرجعيات والإيديولوجيات، والتجاذبات والاختلافات، ومدى تعامل المراجعة مع النصوص الدينية والمواثيق الدولية والآراء السياسية والمعتقدات الأسرية، وسبل تجنب تحويل العلاقات الزوجية إلى حروب وصراعات.
وإلى جانب حضور رئيسة “جمعية انطلاقة” من أفورار، ذة. شيماء سلامي، وعضو بها، ذ. سمير سعداوي، والفاعل المدني ذ. حدو إيكو، والباحث الجامعي محمد جمال، والباحث في علم الاجتماع د. حوسى أزارو، حضرت المناضلة النسائية، ذة. عائشة أولحيان، التي لم يفتها التقدم بنقطة نظام حول ما أسمته ب “المغالطات التي اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي، وروجت لمجموعة من الإشاعات المغرضة والمشوشة على تعديلات مدونة الأسرة”، ذلك بأساليب تجمع بين التنكيت والتهكم والتشويه والتخويف من المرأة ومؤسسة الزواج وتكوين أسرة، داعية إلى “المزيد من التحسيس والتوعية في سبيل التقدم بالمدونة إلى مستوى التطلعات المجتمعية”. 
من جهته، انطلق ذ. عباس أدعوش من ربطه المدونة بما “ينظم حياة الانسان المغربي في بيته وأسرته ومجتمعه، وفي علاقته بعموم الناس، على أساس ارتباطها بما يجب أن تبنى عليه الروابط الانسانية”، حيث ركز على ما وصفه ب “النفس الديني والفقهي في المدونة باعتبار الدين الإسلامي هو دين المملكة”، بإبرازه “استحالة الحديث عن المدونة دون استحضار الجانب الديني والروح المغربية”، وما “يميز الفقه المالكي من أصول تتميز بالتنوع والواقعية ومراعاة الخلاف والعرف”، و”أي تعديل يتناسى ذلك سيكون مغامرة مآلها الخسران”، ذلك طالما أن الهدف من المدونة هو “تحقيق الانسجام والتماسك والتكافل الأسري”، فيما لم يفت المتدخل توضيح موقفه من التعصيب.
أما ذ. امحمد أقبلي، فأكد على أن أمر المدونة “يخص عموم البلاد وليس نخبة معينة”، ليبرز ملاحظة تتعلق ب “تغييب أزيد من 15 بالمائة من المغاربة”، ويعني بهم “مغاربة العالم المنتشرين عبر مختلف الدول”، و”الإشكالات التي تواجهها الجالية في إطار المدونة الحالية على خلفية ما يسمى بتنازع القوانين فيما يخص المقتضيات”، فيما أشار للمادة الثانية المتعلقة بحالة الزواج من أجنبي عبر استناده على القانونين الوطني والدولي، وبينما ذكر بانتخاب المغرب رئيسا لمجلس حقوق الإنسان، تطرق لما يتعلق بتحديات قانون الجنسية في علاقته بمضامين المدونة، وبالنظام العام بين المغرب وفرنسا وكذا بما ينبغي أن يبنى على الاجتهادات القضائية وغيرها.
وبدوره، استهل ذ. أحمد بيضي مداخلته ب “مشكل التمييز ضد المرأة، والذي ما يزال لصيقا بعقليات وسلوكيات عجزت حتى القوانين والنصوص عن التصدي له”، في الوقت الذي “يجري فيه الحديث عن مصادقة المغرب على جل الاتفاقيات المرتبطة بمبدأ القضاء على ذلك”، قبل تطرق المتدخل لموضوع مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول مراجعة مدونة الأسرة (90 صفحة)، مع عرض مجموعة من الاختلالات التي جاءت بها المدونة، مقابل مقترحات وتوصيات المجلس لتعديلها، ذلك بعد إشارة المتدخل للمراحل التي قطعها المجلس بخصوص المذكرة منذ إحداثه لمجموعة عمل تولت التداول والنقاش التعددي، فيما كشف عن بعض التفسيرات المسيئة للمرأة باسم الدين الحنيف.
كما لم يفت ذة. عائشة لخماس الانطلاق من ضرورة “جعل المدونة عادلة وفي مستوى انتظارات الشعب المغربي، والحد النهائي من الميز القائم بين المرأة والرجل”، معتبرة تغيير المدونة هو “ضرورة مجتمعية وليس نسائية فقط، وأن تكون مبنية على أسس من الكرامة والتمكين الاقتصادي”، وبينما دعت إلى “العمل على تأسيس أسرة مغربية متكاملة”، أعربت عن القلق العام إزاء بعض الظواهر التي يعرفها مجتمعنا المغربي، مثل الزواج العشوائي الذي لا يتخطى كونه مشروع حياة، وما يترتب عن الولادات بين القاصرات، وتعدد الزوجات، والطلاق والتطليق، والإرث غير المنصف، مقابل “ضرورة وشروط بناء آليات الصلح والوساطة بين الزوجين والمصلحة الفضلى للطفل”.
ومن جانبه، تناول د. خاليد حجيرت موضوع النسب الناشئ أثناء الخطبة، والمستجدات التشريعية والخبرات الطبية المتعلقة بهذا الصدد، مقابل “التأويلات المتعددة المرتبطة بالمادة المضمنة لذلك ضمن مدونة الأسرة”، فيما لم يفته الاعتماد على بعض النصوص الدينية والعلمية، واستحضاره لمواضيع ذات العلاقة ك “الفساد والزنا والعلاقات الرضائية”، قبل توقفه عند المادة 156 من مدونة الأسرة والتي أثارت نقاشا وجدالا كبيرين، بين رجال الدين والقانون، حول ما إذا كان الأمر يتعلق بإثبات النسب في الخطبة أم بالزواج غير الموثق، وشروط ثبوت النسب من عدمه على أساس حماية المصلحة الفضلى للطفل وحقه في الانتساب إلى أبيه الشرعي.  
error: